أخر الأخبار

الصراع في السودان.. الخرطوم “مدينة أشباح” وهدنة هشة في دارفور

توسطت لجان السلام التي يقودها مدنيون لوقف إطلاق النار مؤقتا في معظم أنحاء إقليم دارفور بالسودان، بعد قتال عنيف في جميع أنحاء البلاد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والذي تسبب في هروب آلاف من العاصمة، وفقا لتقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.

مدينة أشباح

يقول السكان الفارون إن العاصمة الخرطوم أصبحت مدينة أشباح مليئة برائحة الدخان والموت بعد قتال شمل الضربات الجوية والمدفعية والقتال في قلب المدينة.

وقال أحد سكان الخرطوم إنه سمع دوي انفجارات وإطلاق نار في الحي الذي يعيش فيه، الاثنين، وإن الكثير من الناس لم يتمكنوا من الفرار بسبب ارتفاع سعر البنزين وسط نقص هائل، حسب حديثه لـ”واشنطن بوست”.

وتعرض بعض المواطنين الذين فروا للسرقة والقتل على أيدي قوات الدعم السريع.

وأدت المعارك التي اندلعت اعتبارا من 15 أبريل، بين الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، إلى مقتل 427 شخصا على الأقل وإصابة نحو أربعة آلاف، ووضعت نظام الرعاية الصحية تحت ضغط هائل للتعامل مع حصيلة متزايدة للضحايا، وفقا لوكالة “فرانس برس”.

وباتت مغادرة الخرطوم هاجسا يؤرق سكانها البالغ عددهم خمسة ملايين، في ظل انقطاع الكهرباء ونقص المؤن والمياه.

الا أن المغادرة ليست سهلة خصوصا في ظل حاجة لكميات كبيرة من الوقود لقطع المسافة نحو الحدود المصرية شمالا (زهاء ألف كيلومتر)، أو بلوغ بورتسودان (850 كيلومترا الى الشرق) على أمل الانتقال منها بحرا لدولة أخرى.

وبات الوقود عملة نادرة ومكلفة في الخرطوم التي كانت تعاني أصلا تضخما كبيرا يشمل معظم المواد الأساسية.

وقدرت مفوضية اللاجئين الأممية أن 800 ألف لاجئ من جنوب السودان يعيشون في السودان سيعتمدون على أنفسهم في العودة إلى وطنهم الذي فرّوا منه هربا من الحرب.

ويزداد الوضع قتامة بالنسبة لأولئك الذين بقوا في ثالث أكبر دولة أفريقية، حيث كان ثلث السكان البالغ عددهم 46 مليونا بحاجة إلى مساعدات إنسانية من قبل اندلاع العنف، وفقا لـ”رويترز”.

هدنة هشة في دارفور

في حديثه لـ”واشنطن بوست”، قال رئيس الإدارة الأهلية بدارفور، صلاح الدين محمد الفضل، إنه على الرغم من تضرر إقليم دارفور الغربي بشدة من أعمال العنف، إلا أن الهدنات استمرت في أربع ولايات من أصل خمس في الإقليم منذ مساء الخميس.

وأكد أن الجانبين التزموا بالاحتفاظ بمواقعهما الحالية، ويعمل القادة الآن على إنشاء ممرات إنسانية لإيصال المساعدات وجمع الجثث.

وقال إن زعماء دارفور “لا يريدون الحرب على الإطلاق لأنهم تذوقوها منذ سنوات عديدة”.

وأوضح أن المبادرة تضم ممثلين عن جميع القبائل والمجتمع المدني، مضيفا “نحاول تعميم هذه المبادرة في جميع أنحاء السودان”.

وشهدت دارفور بعض أكثر المعارك وحشية في الأسبوع الماضي، حيث قتل أفراد الدعم السريع ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة بالرصاص، ونهب المستودعات التي تحتوي على المواد الغذائية والأدوية والمساعدات الأخرى.

وبدأ السكان المحليون في تشكيل مجموعات أهلية ضد اللصوص، مما أثار مخاوف من أن المنطقة يمكن أن تنقسم تحت سيطرة فصائل مختلفة.

ولا تزال منطقة دارفور تتعافى من عقدين من الحرب التي انتهت باتفاق سلام عام 2020.

وانتشر الصراع في دارفور منذ عام 2003 بعد أن ثار متمردون معظمهم من غير العرب ضد الحكومة.

ووقتها أعلن المقاتلون الأفارقة بدافور التمرد على السلطات في الخرطوم، بعدما ألقوا باللوم عليها في تجويع المنطقة، وردت الحكومة بإطلاق العنان لميليشيات ضدهم من القبائل العربية المحلية إلى حد كبير.

وبدعم عسكري، أحرقت الميليشيات المعروفة باسم الجنجويد القرى واغتصبت النساء بشكل جماعي وقتلت المدنيين، لدرجة أن المحكمة الجنائية الدولية وجهت الاتهام للرئيس السوداني في ذلك الوقت، عمر البشير، بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.

ووقتها قاد “حميدتي” قوات الجنجويد التي نشرت الرعب في الإقليم، ومارس بأوامر من البشير، سياسة الأرض المحروقة في دارفور حيث قُتل أكثر من 300 ألف شخص ونزح ما يزيد على 2,5 مليون آخرين خلال الحرب، وفقا لـ”فرانس برس”.

وفي نهاية المطاف تحولت الجنجويد إلى قوات الدعم السريع والتي تضم آلاف العناصر الساعين حاليا الى السيطرة على السلطة.

وبالاعتماد على الدروس السابقة، تمكن النشطاء الدارفوريون والزعماء الدينيون والمسؤولون المحليون من وقف القتال، مع قيام الشرطة بحماية البنية التحتية المدنية في المدينتين الرئيسيتين، وهما نيالا في الجنوب والفاشر في الشمال.

وأكد والي شمال دارفور، نمر محمد، أن تاريخه كمتمرد ساعد في إقناع الجانبين بالاستماع.

وقال لـ”واشنطن بوست”، “كنت أقاتل لمدة 19 عاما، نحن نعلم أن كل قتال ينتهي بالمحادثات، فهل ندمر كل شيء أولا؟”.

ونجح والي شمال دافور في استدعاء قائد فرقة الجيش وقائد القطاع من قوات الدعم السريع على الهاتف وطلب وقف إطلاق النار للسماح للسكان المحليين بجمع القتلى ومساعدة الجرحى.

والآن هناك لجنتان في الإقليم واحدة لمساعدة المدنيين والأخرى لمراقبة وقف إطلاق النار.

ومن جانبه قال مراقب حقوق الإنسان في نيالا، أحمد قوجة، إن قوات الدعم السريع تسيطر على شمال المدينة والمطار ومناطق أخرى، وأن الجيش يحمي مقراته في وسط المدينة.

وأوضح أن الأسواق والمحلات التجارية مفتوحة والناس يمارسون أنشطتهم اليومية، مضيفا “حالة الطوارئ الوحيدة التي نواجهها هي أنه ليس لدينا أدوية”.

وفي ظل صعوبة الوصول الى الإقليم الذي يعد من أفقر مناطق السودان، أفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأن “10 مركبات وست شاحنات أغذية تعرّضت للسرقة” في دارفور.

وأشار رئيس مكتب منظمة التنمية الاجتماعية السودانية في نيالا، أحمد خليل أبكر، إلى أن مبادرة نيالا للسلام بدأها خمسة زعماء دينيين يعملون في الخفاء خوفا من فشلها.

ثم انخرط مركز دراسات السلام بجامعة نيالا و 15 منظمة شعبية أخرى في المبادرة، وفقا لحديثه لـ”واشنطن بوست”.

لكن ليس من الواضح بعد إلى متى سيستمر وقف إطلاق النار أو ما إذا كان يمكن تكراره على نطاق أوسع، حيث يرى كل من البرهان وحميدتي الأزمة على أنها “معركة وجودية”، حسب “واشنطن بوست”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى