اتسمت الحركة الكشفية في المملكة العربية السعودية طوال عمرها الذي بلغ هذا العام 80 عاماً ، ببروز العديد من القيادات الكشفية التي أثرت الساحة بعطائها ، وأسهمت في تطورها ، خاصة الجيل الأول الذي وضع الأسس لتلك الحركة في بلادنا حتى أصبحت اليوم ذات حضور قوي على كافة المستويات وفي مختلف المناسبات العالمية والإقليمية ، ويبرز من بين تلك القيادات الرائد الكشفي سالم بن صالح النزهة ، الذي التحق بالسلك العسكري في بداية حياته ، فكان ذا تأثير إيجابي عليه في تعلم فنون القيادة جعلت منه قائداً كشفياً ناجحاً ، محققاً مقولة الجنرال مونتجومري ، الذي يعرف القيادة الناجحة بانها ” فن التأثير في الأشخاص بدرجة تجعلهم يحققوا أهداف الجماعة بحماس وتشجعهم على التطوير”.
تعود معرفتي بالرئد سالم النزهة ، او كما نعرفه في الحياة الكشفية ” ابو عزوز” الى ما قبل 35 عاماً تقريباً ، حيث كلفت من وزارة المعارف – آنذاك – بمتابعة أعمال المعسكر الكشفي الصيفي لمناطق المملكة عام 1407هـ ، في منطقة حائل وكان الوالد سالم النزهة قائد للمعسكر ، فوجدت حينها أنني أمام واحدة من أجمل الشخصيات الكشفية وأعظمها التي يمكن أن نطلق عليها الشخصية القيادية ، حيث كان يتمتع بملكة نادرة لا يملكها بعض القادة الكشفيين ، وهو تأكيد على صعوبة اكتساب الصفات القيادية ، وتأكيد ايضاً على صحة مقولة أن القادة يولدون ولا يصنعون ، والتي اختلف عليها المنظرون مؤخراً .
توطدت العلاقة بيننا بعد هذا المعسكر ، وكان التواصل بيننا بالرسائل والتلفون ، ولم نلتقي لبعد المسافة بين مقر إقامتي في وادي الدواسر ، وإقامته في حائل ، إلا أننا كنا نلتقي في بعض المناسبات الخاصة برواد الكشافة في بداية تأسيس رابطة رواد الحركة الكشفية بالمملكة عام 1419هـ ، وكان حينها المنضمين لها هم الرواد المؤسسين الحقيقيين للكشافة في مختلف مناطق ومحافظات المملكة ، فكان يحرص اشد الحرص وقتها على المشاركة في مختلف المناسبات الداخلية والخارجية ومنها الرحلات التي تم تنظيمها الى المغرب عام 1422هـ ، والى الاردن وسوريا ولبنان وتركيا عام 1424 هـ والى اليمن عام 1426 هـ والى الكويت وماليزيا وايطاليا عام 1427 هـ والى اندونيسيا عام 1429 هـ.
ومثل بلاده قبل التقاعد خير تمثيل وكان من ابرز مشاركاته الجامبوري الذي اقامته الكشافة التونسية عام 1383هـ بمناسبة مرور 30 عاما على الحركة الكشفية في تونس ، والمؤتمر الكشفي العربي الثامن عشر في ابوظبي عام 1409هـ ، كما كان قد شارك عام 1395هـ في الرحلة التي نظمتها جمعية الكشافة الى العراق وسوريا والاردن .
في عام 1439هـ أصدر كتابه ” سيرة ومسيرة الحياة الكشفية ” وكان أن ارسل لي نسخة عبر إحدى شركات الشحن وأكبرت فيه حفظه لعنوان المنزل ورقم الهاتف الثابت ، وجمل الكتاب بإهداء كتب فيه ” إهداء للأخ مبارك عوض الدوسري ، ولأرض وادي الدواسر، التي عرفت بها رجال أكن لهم كل تقدير وعلى سبيل المثال لا الحصر حمود السباعي رحمه الله رحمة واسعة” ، فاتصلت به لأشكره على هذا الإهداء ، وأبديت له إعجابي بما احتواه من توثيق لمسيرته ، وأعجابي الشديد بقدراته القيادية منذ أول مرة تقابلنا فكان رده أن عليك لكي تنجح في القيادة أن تعتني بالذي تقودهم ، والحرص على حصولهم على ما يحتاجون إليه ، والعمل على تمكينهم ليصبحوا قادة في المستقبل – وهو ما نفتقده اليوم – .
وتقديراً لما قدمه من جهود مباركة في تطوير ونهوض الحركة الكشفية بالمملكة منحته جمعية الكشافة العربية السعودية الوسام الكشفي الذهبي في الحفل التكريمي الذي رعاه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد أمير منطقة المدينة المنورة – آنذاك – يوم السبت 16 شوال 1426هـ ، وهو أعلى وسام كشفي تقديري تمنحه الجمعية لمن خدم الحركة الكشفية في مركز قيادي واحد أو أكثر مدة لا تقل عن 25 عاماً متصلة أو منفصلة.