ها نَحن نُودِّع رمضانَ المبارك بنَهارِه الجميل ولياليه العطرة، ها نَحن نُودِّع شَهْرَ القرآن والتَّقْوى والصَّبْر والرحمة والمغفرة والعتق من النار
تودع رمضان بمثل ما استقبلته بالطاعة والإيمان والبر والإحسان , ولا تكن كالتي قال الله تعالى فيها : \” وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) سورة النحل .
قال أهل التفسير : المرأة المقصودة في الآية الكريمة هي امرأة عاشت في زمن ما قبل الإسلام (الجاهلية)، واسمها رابطة أو رايطة أو ريطة من بني تميم، وكانت امرأة تلقب بالجعراء أو الجعرانة، وإليها ينتسب الموضع المسمى بالجعرانة بين مكة المكرمة والطائف، وهو ميقات للإحرام.
وإلى جانب ذلك كانت تسمى بخرقاء مكة، ويضرب بها المثل في الحمق، فما قصة حمقها؟.لقد كانت هذه المرأة تجتمع كل يوم، هي ومجموعة من الجواري والعاملات لديها، فتأمرهن بالعمل على غزل ونسج الصوف والشعر ونحوهما، ثم إذا انتصف النهار وانتهين من أداء عملهن في الغزل؛ أمرتهن بنقضه، أي إفساد ما غزلنه وإرجاعه أنكاثاً، بمعنى أنقاضاً أو خيوطاً، وذلك بإعادة تقطيع الغزل إلى قطع صغيرة، ثم تنكث خيوطها المبرومة، فتُخلط بالصوف أو الشعر الجديد وتنشب به، ثم تضرب بالمطارق أو ما شابه، على أن يقمن بغزله مجدداً في اليوم التالي , وهكذا، تجهد هذه المرأة نفسها وعاملاتها بالعمل ثم تفسده بحمقها وخراقتها. تفسير الطبري 17 /283 , تفسير ابن كثير 4/599.
أو من الذين قال الله فيهم : \” ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) سورة الحج .
قيل لِبِشْرِ الحَافِي رحمه الله : إنَّ قَوماً يَتعبَّدون ويجتَهِدُون في رمضان ؟ فقال : بِئْسَ القومُ قومٌ لا يَعرفُونَ للهِ حَقَّاً إلَّا في شَهْرِ رَمَضَان ، إنَّ الصَّالحَ الذي يَتَعَبَّدُ ويَجْتَهِدُ السَّنَة كلَّها .
وسُئِلَ الشِّبْلِيُّ رحمه الله : أيُّهما أفضلُ : رَجبٌ أو شَعْبَان ؟ فقال : كُنْ ربَّانِيَّاً ولا تَكُنْ شَعَبَانِيَّاً !.
قال الشاعر :
ترحَّلت يا شهرَ الصيامِ بصومِنا * * * وقـدْ كنتَ أنواراً بكلِّ مكانِ
لئنْ فَنِيَتْ أيامُك الزُّهرُ بَغتـةً* * * فما الحزنُ مِنْ قلبي عليك بِفَانِ
عليكَ سلامُ الله كن شاهداً لنا* * * بخـيرٍ رعاكَ الله مِنْ رمـضانِ
قال ابن رجب : في ( لطائف المعارف 323 ) : بعض السلف كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم خرج عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد فطر فقال في خطبته : أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوما و قمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم. كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له : إنه يوم فرح و سرور فيقول : صدقتم و لكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملا فلا أدري أيقبله مني أم لا ؟. رأى وهب بن الورد قوما يضحكون في يوم عيد فقال : إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين. وعن الحسن قال : إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون .
لعلك غضبان و قلبي غافل * * * سلام على الدارين إن كنت راضيا
روي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه وعن ابن مسعود أنه كان يقول : من هذا المقبول منا فنهنيه ومن هذا المحروم منا فنعزيه أيها المقبول هنيئا لك أيها المردود جبر الله مصيبتك