الرياض – سمو العتيبي
في قلب العاصمة السّعودية، حيث تتقاطع الطّموحاتُ مع الحلم الكبير لرؤية 2030 يطلُّمعرض الرّياض الدّولي للكتاب 2025 كأكثر من مجرَّد تظاهرة ثقافية، بل إنّه إعلان صريح بأنّالمملكة تدخل عصر صناعة المعرفة من أوسع أبوابها.
تحت شعار “الرّياض تقرأ” يتحوَّل المعرض إلى منصَّة استراتيجيَّة تعيد تعريف علاقة الفردبالكتاب ليس بوصفه وسيلةً للتَّعلُّم فحسب، بل كأداة لتشكيل المجتمعات وتوسيع آفاقالحوار بين الثقافات، هنا يلتقي أكثر من 2000 دار نشر ووكالة تمثل 25 دولة، ويصغي الجمهورإلى 115 متحدِّثًا بين مفكّرين ومؤلّفين وصُنَّاع محتوى من مختلف القارَّات، المشهد أقرب إلىقمَّة فكريَّة عابرة للحدود منه إلى معرضٍ تقليديٍّ للكتاب..
اللغة الرَّقميَّة لها نصيبٌ، والفنون تجد مكانها، والطفل والأسرة يتقدَّمان في المشهد بما يجعلمن الرِّياض مختبرًا مفتوحًا لصناعة المستقبل الثقافي، ومن خلال 200 فعّالية مصاحبة و30 جلسة حوارية و45 ورشة عمل، تصبح العاصمة أشبه بمدينةٍ نابضة بالأسئلة والإجابات بالجدلالمعرفيِّ والإبداعيّ الذي تحتاجه أيُّ أمَّةٍ تخطو بثقة نحو العالميَّة.
ولعلَّ اختيار جمهوريَّة أوزبكستان ضيفَ شرف هذا العام، يعكس بوضوح رغبة المملكة في بناءجسور ثقافيَّة جديدة مع آسيا الوسطى، حيث التّاريخ الإسلاميّ والثقافة المشتركة يلتقيان معالحاضر والمستقبل، إنَّها إشارةٌ ذكيّة إلى أنَّ السّعوديّة لا تتعامل مع الثقافة كرمزٍ داخليفحسب، بل كقوة ناعمة تعيد رسم خرائط التَّواصل الحضاري.
الدّكتور عبداللطيف الواصل الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنَّشر والتَّرجمة يصف المعرضبأنَّه فرصةٌ كبيرة للناشرين والمشاركين المحلِّيين والدّوليين لتوسيع جمهورهم وعرضإنتاجهم الثقافيّ والأدبيّ، لكن ما يفعله المعرض في العمق أبعدُ من ذلك إنَّه يرسِّخ المملكةكمركز ثقافي عالميّ ويعزِّز من اقتصاد المعرفة الذي تسعى رؤية 2030 إلى وضعه في صميمالتَّحوُّل الوطنيّ.
زيارة المعرض ليست تجربةً عابرة، إنَّها طقسٌ ثقافيٌّ متجدِّد حين يمشي الزَّائر بين أجنحته،يلتقي بعالم كامل من الأفكار، مِن ورش عملٍ تغرسُ مهاراتِ الغد، إلى نقاشاتٍ فكرية تكسرالحواجز، وصولًا إلى مساحات الطِّفل التي تبني جيل المستقبل.
السُّؤال الأعمق الذي يطرحه المعرض هذا العام: هل نحن أمام لحظةٍ تاريخيَّة حيث تطرقالرِّياض أبواب العالم الثقافي؟ يبدو أنَّ الجواب قد بدأ يتَّضح، فالمملكة لا تكتفي باستضافةمعرض دوليٍّ بل تصنع من الكتاب جسرًا اقتصاديًّا ومعرفيًّا وحضاريًّا يعيد تعريف مكانتها فيالخريطة العالميَّة.
باختصار: “الرِّياض تقرأ” ليست شعارًا فحسب، إنَّها إعلان دخول المملكة حقبة جديدة منالقوة الناعمة والتأثير العالمي.