الأنصاري يقدّم بـ كتاب الرياض” ورشة سردية

واصلَ البرنامجُ الثَّقافيُّ لمعرض الرّياض الدّولي للكتاب 2025 فعاليّاته بتنظيمِ ورشةِ عملٍ متخصِّصة بعنوان: “الحوار، والوصف، والحبكة: أدوات الرِّوائي السَّارد”، قدّمها الباحث والرِّوائي عبدالواحد الأنصاريّ، بحضور عددٍ من المهتمِّين بالأدب والكتابة الإبداعيَّة.
واستهلَّ الأنصاريُّ الورشةَ بالحديث عن أهميَّة القدرة على الصِّياغة السَّرديَّة المتقنة، مبيِّنًا أنَّ الرِّوائيَّ مطالبٌ بامتلاك أدواتٍ سرديَّة راسخةٍ تمنحه القدرةَ على قيادة النَّصِّ، وجذب القارئ، وبناء تجربةٍ قرائيّة متماسكة، وأنَّ الحوار والوصف والحبكة تُشكِّل ثلاثيَّةً مركزيَّة في كلِّ عمل روائيٍّ، وكلُّ خَللٍ فيها ينعكسُ على الرِّواية بكاملها.
وخصَّ مساحةً كبيرة لمحور الحوار، مبيّنًا أنَّ أدوات الحوار، سواء أكان داخليًّا يكشف صوت الشَّخصيَّة، أو خارجيًّا يحاكي التَّفاعل بين أكثر من شخصيَّة، تُعدُّ من أهمِّ عناصر بناء الرِّواية.
وأشار إلى التَّحديات التي تواجه الكاتب عند الموازنة بين اللغة الفصيحة واللغة الدَّارجة، حيث يظلُّ المطلوبُ الحفاظَ على صِدق الشَّخصيّات وتماهيها مع بيئتها، مع المحافظة على وحدة النَّصّ. واستعرض نماذجَ من أعمالٍ عربيَّة وعالميَّة تعاملت مع هذه الإشكاليّة بِطُرقٍ متعدِّدة، معتبرًا أنّ نجاح الحوار يقاس بمدى قدرة القارئ على سماع “صوت الشَّخصيّة” بوضوح عبر النَّصّ.
وانتقل المتحدِّث إلى الوصف، موضحًا أنَّ قيمته تتجاوز تسجيلَ تفاصيلِ المكان والزَّمان إلى نقل المناخ النَّفسيِّ للعمل وإيصال الحالة الشّعوريّة للشَّخصيَّات. وأكَّد أنَّ الكاتب النَّاجح يوظِّف الوصف بطريقةٍ ذكيَّة، تبتعد عن الاستطراد المُرهق، وتمنح القارئ مشهدًا مكثَّفًا يثير الخيال. وضرب أمثلةً من رواياتٍ عربيَّة وأجنبيَّة جسَّدت الوصف باعتباره أداةً لتوليد المعنى وتكثيف التَّجربة القرائيَّة.
وفي محور الحبكة، شدَّد الأنصاريُّ على أنَّها البنيةُ الأكثرُ حساسيّة في النَّصِّ الرِّوائيّ، إذ تترابط من خلالها الأحداثُ والشَّخصيَّات لتشكيل نسيجٍ متماسك. وأوضح أنَّ الرِّوائيَّ الذي يتقن بناءَ الحبكة يتمكَّن من قيادة القارئ من البداية حتَّى النِّهاية، وأمَّا غيابُها فيؤدي إلى تفكُّكِ النَّصِّ وفقدان عنصر التَّشويق. وأضاف: إنَّ صياغةَ حبكة ناجحةٍ تتطلَّب وعيًا بالزَّمن الرِّوائيّ، وإحكام الانتقالات بين العقدة والحَلّ، والقدرة على الموازنة بين منطقيَّة الأحداث وحيويَّتها.
واختتم الأنصاريُّ حديثَه بتأكيد أنَّ الكاتب الذي يمتلك هذه الأدوات الثّلاثة: الحوار، والوصف، والحَبكة، يستطيع أن يقدِّم عملاً أدبيًّا متماسكًا قادرًا على البقاء في الذَّاكرة الأدبيّة، مشيرًا إلى أنَّ الإبداع لا ينفصل عن الإتقان، وأنَّ السَّرد الرِّوائيَّ العربيَّ اليوم بحاجةٍ إلى وعيٍ أكبر بآليَّاتِ الكتابة المعاصرة دون التَّفريط بخصوصيَّته الثَّقافيّة.
وتأتي هذه الورشة ضمن سلسلةٍ من الفعاليّات الثَّقافيّة المصاحبة لمعرض الرّياض الدّولي للكتاب، الذي يُقام بتنظيم هيئةِ الأدب والنَّشر والتّرجمة، ويستمرُّ حتَّى 11 أكتوبر، جامعًا بين دور نشرٍ ومؤلِّفين ومفكِّرين ومؤسَّسات ثقافيَّة محليَّة ودوليَّة، في منصَّة سنويّة تشهد حضورًا واسعًا من القرَّاء والمهتمِّين بالصِّناعة الثَّقافيَّة.

زر الذهاب إلى الأعلى