لا يخفى على الفرد أو المجتمع الدور الذي تلعبه البنوك التقليدية والتجارية في الحياة الاقتصادية، فهي أساس النظام الاقتصادي ومهمة جدا التجارة الدولية الآن بمعزل عنها. وكل شعوب العالم الإسلامي متفقين على تحريم الربا، وعليه يقعون في حرج كبير بالتعامل مع البنوك نظراً لاعتمادها على النظام الربوي.
ومن هنا كان دور المصارف الإسلامية لتلبي رغبة المسلمين فى العالم العربي والإسلامي وباقي بلدان العالم. فإن لها أغراضاً تنموية لا تتمكن البنوك التجارية من القيام بها، فهي ذات قدرة أكبر على جمع المدخرات من الفئات المتوسطة والقليلة الدخل وأيضا من المتدينين المؤمنين فقيرهم من الافراد وغنيهم. كما أن المصارف الإسلامية في الاستثمار المباشر بالاقتصاد الحقيقي الذي تقوم به، تلعب دوراً هاماً في عملية التنمية، تجعل منها ذات أهمية كبرى خاصة للدول النامية.
كما أن نمط هذه المصارف بالرغم من تعددها وتنوعها لم تستطع ان توجد الأسلوب الأمثل لاجتذاب جميع فئات المواطنين، سواء كانوا من أصحاب الأموال والمدخرات أم من كانوا من أصحاب ريادة الأعمال وإنشاء المشاريع في مختلف القطاعات. وسبب ذلك يؤدي الى كون الأسلوب المصرفي مبنيا على نظام التعامل بالفائدة باعتبارها الوسيلة الوحيدة للتوظيف أو التمويل في حالتي الإيداع أو الاقتراض.
للمؤسسات المالية بما فيها البنوك التجارية (التقليدية) وشركات التمويل وبذلك تؤثر على اقتصاد الدولة وعلى الأفراد. ويظهر تأثير هذه المؤسسات المالية على ودائع الأفراد بأنواعها التي تتدفق إليها، وتعمل هي من جانبها على استمرار هذا التدفق. مستغلة الحوافز والدوافع المالية. أو بحجة الأمان وتيسير المعاملات.
وهي تعتمد في بقائها ونموها على حاجة الأفراد والمستثمرين لتمويل نشاطهم وما يصاحب هذه الحاجة من قبول شروط الاستدانة التي تفرضا هذه المؤسسات، كما تعتمد على حاجة المضطرين لها الذين تواجههم ظروف صعبة طارئة. أحيانا فتقوم باستغلال حاجتهم للمال في كل الحالات تزداد أرباحها وتتضخم ثرواتها بشكل مستمر وعاما بعد عام. ومن ثم تتزايد قوتها ويتضخم نفوذها فتزداد هيمنتها وسطوتها.
أما المصارف الإسلامية فإنها تعتمد على مجموعة أفكار منها الإنابة أو التفويض بين مالك المال ” المودع ” والمصرف الإسلامي ” المستثمر”، وكذلك فكرة المخاطرة بأموال المساهمين والمودعين معاً في سبيل الحصول على عائد، مع التأكيد على رفض استخدام الفائدة كتعويض للمودع واستبدالها بحصة من الربح. وتنبثق فكرة المصارف الإسلامية من حقيقة أن وظيفة التمويل (بشقيها تجميع الأموال وتوظيفها) تقوم في المنهج الإسلامي على أساس توفير السيولة النقدية للمشروعات الاستثمارية التي تحتاجها وذلك على أن تكون نتائج هذا النشاط شراكه بين المصرف وأصحاب العمل من جهة وبين المصرف وأصحاب المال من الجهة الأخرى. كما أن تزايد الإمكانيات المالية في العالم الإسلامي خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب الوعي الإسلامي الذي ساعد في ارتفاع الأصوات الداعية بضرورة استخدام تلك الإمكانيات لخدمة مصالح الأمة الإسلامية ورفع شأنها، بالوسائل والأساليب حسب أحكام الشريعة الإسلامية، مما حفز إلى عقد الدراسات العلمية وعقد الندوات المتخصصة التي جمعت بين رجال الاقتصاد الإسلاميين وفقهاء الدين، بهدف ترسيخ وبلورة فكرة إنشاء المصارف الإسلامية والتوسع فيها وتأكيد استخدام صيغ التمويل والاستثمار الإسلامي من مضاربة و مرابحة وإجارة ومشاركة واستصناع ومزارعة ومغارسة وغيرها من الصيغ الإسلامية التي لها قبول ورواج متزايد على مستوى العالم.
وقد ساعد على ظهور فكرة إنشاء المصارف الإسلامية الحرج من التعامل مع البنوك التجارية التقليدية. وكان الأمل والعمل يراود المسلمين ولفترة طويلة من الزمن لإنشاء مصارف لا تتعامل بالفائدة وتم ذلك عندما أعلن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف الدعوة إلى كافة الدول الإسلامية بإنشاء مصارف إسلامية وذلك في مؤتمره السادس عام 1971م. وقد تم ذلك بعد صدور قرار بالموافقة على اتفاقية إنشاء (البنك الإسلامي للتنمية) كمؤسسة مالية لدعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء الإسلامية.
وكانت قد بدأت أول محاولة لتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في المؤسسات المصرفية منذ حوالي 57 سنة عندما أنشئت بنوك الادخار في مصر عام 1963م وما تبع ذلك من محاولات مماثلة في باكستان، إلى أن تأسس مصرف دبي الإسلامي سنة 1975م كأول بنك إسلامي يقدم الخدمات المصرفية المعتادة التي تقوم بها المصارف التجارية ولكن بدون التعامل بالفائدة أخذاً أو عطاءً وذلك إلى جانب ممارسة النشاط الاستثماري، ثم توالي بعد ذلك إنشاء البنوك الإسلامية، فأنشئ بنك فيصل الإسلامي المصري وبيت التمويل الكويتي وبنك فيصل الإسلامـي السوداني في سنة 1977م.
ومن ثم أنشئ البنك الإسلامي الأردني للتمويـل والاستثمـار، وبنك لوكسمبورج الدولي للاستثمار والتنمية في مصر سنة 1980م. وقد وصل عدد البنوك الإسلامية حتى عام 1980م إلى 25 بنكاً، تضاعف عددها ليصل إلى 52 بنكاً في سنة 1985م.
وتعد البنوك الإسلامية من المؤسسات المالية المصرفية حديثة النشأة حيث ظهرت خلال الثلاثين سنة الماضية، وتزايد تواجدها تدريجياً في مختلف الدول العربية والإسلامية ليصل عددها إلى ما يزيد عن 250 مؤسسة مالية ومصرفية إسلامية.
ونتيجة للنجاح الملحوظ الذي حققته البنوك الإسلامية أقدمت بعض البنوك التجارية التقليدية على إنشاء فروع إسلامية لها، مثل فروع المعاملات الإسلامية لبنك مصر وبنك التنمية الوطني وبنك القاهرة عمان وبنك الرياض والبنك الأهلي وبنك الجزيرة …الخ.
وبذلك توسع انتشار التعامل بالبنوك الإسلامية رغم ما كان شائعا عنها وعن الاقتصاد الإسلامي عامة أن الأساس فيه هو التعرض للمخاطر، ولأن وهذه الشائعة غير دقيقة وتحتاج إلى تفصيل وضبط. فالقاعدة هي ما عبرت عنها نصوص كثيرة: الخراج بالضمان، الغرم بالغنم، النهي عن ربح ما لم يضمن. ومن هنا كانت المعادلة المعروفة بين الضمان والسيولة والربحية قائمة كذلك بالنسبة للبنك الإسلامي وإن اختلفت صورها التطبيقية باستخدام التقنيات عن مثيلتها في البنوك الأخرى إلا أنها ينبغي أن تؤدي في النهاية إلى احترام معادلة الضمان والسيولة والربحية وهي أساس نجاح العمل المصرفي.
كما أن استقرار الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية، عامل أساسي في نجاح أداء المصارف عموما والمصارف الإسلامية خصوصاً. غير أن هذا العامل ليس للمصارف القدرة على التحكم فيه، لذلك على المصارف محاولة التأقلم مع هذا الظرف رغم صعوبته ويجب على السلطات المختصة المساهمة في إنجاح دور المصارف الإسلامية لما لها من أثر كبير في تجميع المدخرات وإيجاد البديل المحلي لتمويل عملية التنمية الاقتصادية بعيدا عن السيطرة الأجنبية المتمثلة في القروض الخارجية.
وهذه المساهمة تتم عن طريق اعتبار الخصوصية التي تواجه المصارف الإسلامية من حيث عدم التعامل الربوي والاهتمام بالاستثمار المباشر. ويتم ذلك عن طريق اعتبار هذه الخصوصية عند تنظيم العلاقة بين المصارف الإسلامية والتجارية. وعلى المصارف الاهتمام بالتخطيط ودعم دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع المتوقع تمويلها بالمشاركة وخاصة لصغار المهنيين وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، وهذا يقتضي استراتيجية تقضي بالتحول من المرابحة إلى المضاربة والمشاركة. كما أن اهتمام المصارف الإسلامية بتشجيع المضاربة يقتضي اهتمام المصارف بتقديم أساليب جديدة ووسائل جديدة في إطار وأحكام عقد المضاربة أو المشاركة، تلائم الواقع الذي تعمل فيه المصارف الإسلامية.
لذا نحن نعمل على ذلك بحكم خبراتنا العملية والمهنية ومن خبرات السنين التي تجاوزت عقدين من الزمن .
بقلم: المستشار المالي والمصرفي والإقتصادي
ماجد بن أحمد الصويغ
1 رمضان 1441هــجرية