بمناسبة الزيارة الرسمية التي يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – إلى الولايات المتحدة الأمريكية، يبرز أمام المتابعين مشهد واسع يعكس عمق العلاقات السعودية – الأمريكية على مختلف الأصعدة.
وفي سياق هذا الحراك السياسي والاقتصادي والحضاري الذي تقوده المملكة نحو آفاق أرحب في ظل رؤية 2030، تبرز العلاقات الكشفية بين البلدين نموذجاً ناجحاً للتقارب الحضاري، وتبادُل الخبرات، وصناعة جيل عالمي يؤمن بقيم السلام والتعاون والتنمية.
لقد شكّلت العلاقات الكشفية السعودية الأمريكية عبر عقود طويلة جسراً فريداً من التواصل بين الشباب، وأحد أبرز المسارات المجتمعية التي ساهمت في تعزيز التفاهم الثقافي وتطوير مهارات القادة والمنتسبين للحركة الكشفية في البلدين؛ وتعود جذور هذه العلاقات إلى بدايات الثمانينات الميلادية، حين تبنت شركة موبيل عام 1401هـ مشروعاً لتنمية الصداقة العالمية، الذي جمع بين السعودية والولايات المتحدة واليونان عبر برامج مشتركة وزيارات تبادلية؛ وقد شهد المشروع في محطته الثانية عام 1402هـ زيارة وفود تلك الدول للمملكة والتعرّف على نهضتها المتسارعة، ومن ذلك زيارة المنشآت النفطية والتعرف على مكوّنات الثقافة السعودية، إضافة إلى التشرف بلقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – الذي كان أمير منطقة الرياض آنذاك.
وفي عام 1404هـ اكتملت محطات البرنامج بزيارة الوفد السعودي للولايات المتحدة، حيث استضافهم المخيم الكشفي في نيوجرسي، وتضمن البرنامج حضور مباريات المنتخب السعودي في أولمبياد لوس أنجلوس، إضافة إلى برنامج ثقافي متنوع عزز التواصل والتبادل بين شباب البلدين.
وتواصل البناء على هذه العلاقة المتينة بتوقيع اتفاقية التعاون المشترك عام 1429هـ بين جمعية الكشافة العربية السعودية وكشافة الفتيان الأمريكية، وهي اتفاقية أسهمت في فتح آفاق واسعة للبرامج والزيارات والورش التدريبية. فعقب توقيعها مباشرة، شهدت المملكة زيارة وفد أمريكي رفيع المستوى، تخللتها جولات في الرياض وجدة والعلا والقصيم، والاطلاع على التجربة الكشفية السعودية وبرامجها الاجتماعية.
وفي عام 2009 عززت الجمعية حضورها الدولي بالمشاركة في اجتماع الصندوق الكشفي العالمي في بوسطن، حيث قام سمو الأمير فيصل بن عبدالله – رئيس الجمعية آنذاك – بتسليم شيك وقف خادم الحرمين الشريفين لدعم برامج السلام، وتم خلال تلك الزيارة توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز المبادرات الكشفية العالمية، كما شاركت المملكة بفعالية في الاجتماع السنوي للكشافة الأمريكية في أورلاندو، وقدمت عروضاً تعريفية ببرامج وقف السلام وهدية السلام أمام آلاف المشاركين وأسرهم.
وحرصت جمعية الكشافة السعودية خلال الفترة من 1429هـ حتى 1434هـ على المشاركة النشطة في برنامج “الزائر الدولي” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، ليطّلع القادة والشباب السعوديون على التجارب الكشفية والأنظمة الاجتماعية في الولايات المتحدة؛ وقد شارك في ذلك البرنامج عدد من القادة والجوالة، مما أسهم في رفع مستوى الخبرة والجاهزية القيادية داخل المملكة.
وفي عام 1431هـ حلّت وفود الكشافة الأمريكية ضيوفاً على المملكة ضمن برامج التبادل، حيث زاروا قصر المصمك وسوق الزل ونادي الهلال ومحافظة الخرج، واختتموا برنامجهم بفعالية كشفية في متنزه الثمامة قدمت خلالها برامج للطهي الخلوي والتعارف الثقافي.
كما شهدت السنوات اللاحقة تنفيذ عدد من الرحلات التدريبية المتقدمة بالتعاون مع كشافة الفتيان الأمريكية في ولايات نيوجرسي ومينيسوتا وفلوريدا، واستهدفت عمداء شؤون الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية، بهدف تطوير قدراتهم الكشفية وتعزيز التجارب المهنية والتربوية الحديثة.
ومع استمرار نجاح العلاقة المشتركة، حققت المملكة حضوراً تاريخياً في الجامبوري الكشفي العالمي الـ24 الذي استضافته ولاية فرجينيا الغربية عام 2019، حيث شارك لأول مرة فريق كشفي نسائي سعودي، وهو حدث لاقى إشادة عالمية ورسخ صورة المملكة الحديثة التي تستثمر في قدرات شبابها وشاباتها وتفتح لهم أبواب التمثيل الدولي.
إن استعراض هذه المحطات يكشف أن التعاون الكشفي السعودي-الأمريكي لم يكن مجرد فعاليات عابرة، بل هو مسار متواصل من بناء الجسور، ونقل الخبرات، وترسيخ قيم التفاهم والسلام، وهو مسار يتعزز اليوم في ظل الرؤية الطموحة التي تقودها المملكة، ومع ما تشهده العلاقات السعودية الأمريكية من قوة متجددة ورؤى مشتركة بقيادة سمو ولي العهد – حفظه الله – الذي جعل الاستثمار في الإنسان، والشباب تحديداً، أحد ركائز مستقبل المملكة ودورها الدولي.
وها هي الحركة الكشفية اليوم، امتداداً لإرث طويل من التعاون بين البلدين، تمضي في تطوير نفسها بما ينسجم مع التحولات الوطنية الكبرى، لتظل جسراً إنسانياً وحضارياً يجمع شباب العالم على قيم العطاء والسلام.
مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3
