في زحمة المشاعر التي يحملها ضيوف الرحمن، وفي رحاب أطهر بقاع الأرض، يتجلّى مشهد الأمن بأبعاده الإنسانية والمهنية معًا. حادثة بسيطة وقعت مؤخرًا داخل المسجد الحرام بين رجل أمن ومعتمر، سرعان ما تحوّلت إلى حديث للرأي العام، فتباينت الآراء، وتعددت القراءات، لكن ما بقي ثابتًا هو عظمة المهمة التي يؤديها رجال الأمن في خدمة قاصدي بيت الله الحرام.
ما لا يدركه كثيرون أن رجل الأمن في الحرم لا يعمل في بيئة عادية؛ فهو يتعامل مع ملايين البشر من ثقافات ولغات وسلوكيات مختلفة، يسعى كل واحدٍ منهم لأداء شعيرة تعبّدية في أجواء روحانية عالية الحساسية. وبين هذه الحشود المتدفقة، يتحمّل رجل الأمن مسؤولية كبرى: أن يحفظ النظام دون أن يجرح شعورًا، وأن يضبط الفوضى دون أن يُعكّر صفو العبادة.
قد تُختزل الحادثة في لحظة توتّر أو سوء فهم، لكن خلف تلك اللحظة يقف واقع صعب من جهادٍ يوميٍّ وصبرٍ طويلٍ. فالحفاظ على أمن الحرم وتنظيم حركة المصلين والمعتمرين مهمة لا تحتمل الخطأ، ولا يمكن تركها للعشوائية. وهي مسؤولية تتطلّب يقظة مستمرة، ووعيًا إنسانيًا، وانضباطًا مهنيًا يعادل في قيمته عبادةً صامتة في خدمة المكان والإنسان.
ورجال الأمن في الحرمين الشريفين هم جزء من الصورة المضيئة للمملكة، التي جعلت من خدمة الحجاج والمعتمرين شرفًا تتوارثه الأجيال. لذلك، فإن أي حادثة فردية لا يمكن أن تُقاس بمعزل عن هذا السياق العظيم الذي يجسّد قيم الاحتساب، والانضباط، والإخلاص في العمل.
إن الأمن في الحرم ليس مجرد نظام، بل هو عبادة جماعية تحفظ قدسية المكان، وتمنح الطمأنينة لكل من جاء ملبّيًا نداء الإيمان. وبينما تنطفئ الضجة العابرة، يبقى الأثر الأسمى هو ما تصنعه سواعد رجالٍ نذروا أنفسهم ليؤدّي الملايين عبادتهم في سلامٍ وطمأنينة.
