نظّم البرنامج الثَّقافيُّ لمعرض الرّياض الدّولي للكتاب 2025 ورشةَ عملٍ بعنوان “بحثٌ موسَّعفي الفنِّ الإنسانيّ”، قدَّمها الأستاذ سليمان السحيباني، بحضور عددٍ من الفنَّانين التَّشكيليّينوالمهتمِّين بالفنون البصريَّة والطُّلاب المتخصِّصين في مجالات الفنِّ والتَّصميم.
واستعرض السحيباني في مُستهلِّ الورشة مفهومَ الفنِّ الإنسانيّ بوصفه أحد المسارات الفكريَّةفي الفنِّ التَّشكيليّ التي تهتمُّ بالتَّعبير عن التَّجربة الإنسانيَّة والقيم المشتركة بين البشر، موضحًاأنّ الفنَّ الإنسانيّ يتعامل مع الإنسان باعتباره مركز التَّجربة الجماليَّة، وأنَّ الرِّسالة التي يحملهاالفنّانُ ترتبط بمدى وعيِه بالإنسان وقضاياه وتفاعلِه مع محيطِه الاجتماعيّ والثَّقافيّ.
وتطرّق إلى الجذور التَّاريخيَّة لهذا المفهوم، مشيرًا إلى أنَّ حضور الإنسان في الفنون التَّشكيليَّةظلَّ ثابتًا منذ البداياتِ الأولى في الجداريَّات والنُّقوش القديمة، مرورًا بعصور النَّهضة التيجعلت الجسدَ الإنسانيَّ محورًا للتَّأمُّل الفنِّيّ، وصولًا إلى الفنِّ المعاصر الذي وسَّع دلالةَ الإنسانمن الشَّكل إلى الفكرة والمعنى والموقف.
وبيَّن أنَّ الفنَّ الإنسانيَّ لا ينفصل عن القِيَم الأخلاقيَّة والمعرفيَّة، إذ يُشكّل وسيلةً لطرح الأسئلةالكبرى حول العدالة، والكرامة، والهويّة، والحريّة، موضحًا أنَّ الأعمال الفنِّيَّة التي تناولت قضاياالإنسان عبر التَّاريخ ظلَّت جزءًا من الذَّاكرة الإنسانية ورافدًا للحوار بين الثَّقافات.
كما ناقش السحيباني الفوارق بين الاتَّجاهاتِ الجماليّة المختلفة، مبيّنًا أنّ الفنَّ الإنسانيَّ لايتقاطع مع مدارس الواقعيَّة أو التَّجريد أو التَّعبيريَّة، بل يُمكن أن يتجلَّى داخلها وفق مضمونِ العمل ورؤية الفنَّان، لافتًا إلى أنّ البُعد الإنسانيَّ في العمل الفنّيّ يتحدَّد بصدقِ التَّجربة ووضوح الرِّسالة، وليس بالأسلوب أو التِّقنيَّة المستخدمة.
وتضمَّن الورشةَ عرضٌ بصريٌّ لمجموعة من اللوحاتِ والأعمال التي عبّرت عن التَّجربة الإنسانيَّة في الفنِّ الحديث والمعاصر، مع تحليلٍ لأبعادها الفكريَّة والتّقنيَّة، وركّزت على أنّ الفنَّان لايكتفي بتصوير الواقع، وإنّما يُقدِّم رؤيتَه له، منطلقًا من وعيه بذاته وبالعالم مِن حوله.
وفي محور آخر، تحدَّث عن مسؤوليَّة الفنّان في توجيه الفنِّ نحو خدمةِ الإنسان والمجتمع،مؤكِّدًا أنَّ المبدع يكتسب مكانتَه من خلال قدرته على تمثيلِ القيَم الإنسانيّة السامية، وإسهامِهفي تعزيز الذَّوق العامّ وإثارة التَّفكير حول قضايا الإنسان الكبرى.
واختُتمت الورشةُ بنقاشٍ مفتوحٍ شارك فيه عددٌ من الحضور، تناولوا فيه العلاقة بين الفنّوالإنسان، ودَور الفنون التّشكيليَّة في التَّعبير عن التَّجارب الإنسانيَّة المشتركة، وكيف يمكنللمؤسَّسات الثَّقافيَّة دعم هذا النَّوع من الفنون ضمن رؤية المملكة في تمكين الإبداع الثَّقافيّوتعزيز دَورِه الإنسانيّ.
يُذكر أنَّ معرض الرّياض الدّولي للكتاب 2025 يقام تحت شعار “الرّياض تقرأ”، المنبثق منحملة “السّعوديّة تقرأ”، التي أطلقتها هيئةُ الأدب والنَّشر والتّرجمة بهدف تعزيز شغَف القراءةوالمعرفة لدى جميع فئاتِ المجتمع، وتشجيع الثَّقافة والإبداع، وإتاحة الفرصة أمام القُرَّاءللتَّفاعل مع المبدعين والمؤلّفين، بما يُسهم في نشر الثَّقافة وإثراء المشهد الأدبيّ والفكريّ فيالمملكة.