مقال بقلم: أ. سمو غازي العتيبي بعنوان (( حين يصبح التواضع مشهدًا تمثيليًا ))

في زمن أصبحت فيه الكاميرات تراقب كل حركة، وتوثق كل كلمة، برز نوع من المدراء والمشاهير الذين يفتقدون للمصداقية في تعاملهم مع الناس.
هؤلاء لا يملكون التواضع الحقيقي، بل يتقنون أداءه أمام عدسات الإعلام، كلما شعروا أن الأضواء مسلّطة عليهم.
التواضع المزيف قناع يخفي غطرسة مديرٍ، أو مشهورٍ متكبر لا يرى الناس سوى أدوات في مسرح سلطته، لكنه حين يرى الكاميرا، يتحول فجأة إلى إنسان متواضع، يبتسم، يربّت على أكتافهم، ويجلس بينهم وكأنه واحدٌ منهم. هذا التواضع ليس نابعًا من القلب، بل من حسابات الصورة العامة، ورغبةٍ في كسب الشعبية لا الاحترام.
الإنسان الحقيقي الواثق من نفسه لا يجد بأسًا في أن يكون متواضعًا دومًا، ويصغي لمن هم أقل منه دون أن ينتظر تصفيقًا.
المدير أو المشهور المتصنع يختار لحظات التواضع بعناية، يحرص أن تكون أمام عدسة، ويغضب إن لم تُنشر صورته وهو يخدم الناس أو يصغي إليهم، حينها تصبح الكاميرا مرآة للنفاق، فالكاميرا لا تكشف الحقيقة دائمًا، بل قد تصبح أداة لتزييفها، فالمتصنع يعرف كيف يوجّهها، وكيف يخلق مشهدًا يبدو إنسانيًا، بينما هو في الواقع لا يطيق مخالطة الناس.
هؤلاء لا يقومون بأي عمل من أجل المصلحة العامة، بل من أجل تعزيز صورتهم، قراراتهم لا تُبنى على الحكمة، بل على ما يبدو جيدًا في الإعلام، وهم بذلك يضلّلون الناس، ويقودونهم نحو وهمٍ لا يُثمر عدالة ولا تنمية.
يقول جلال الدين الرومي: “تواضعك الحقيقي لا يقاس بكيفية وقوفك أمام الناس، بل بكيفية وقوفك أمام نفسك”.
كما يقول فولتير: “التواضع هو الفضيلة التي يتظاهر بها المنافقون”.
في عالم تتداخل فيه الصورة مع الحقيقة، يصبح من السهل أن يُخدع الناس ببريق التواضع المصطنع، لكن الشعوب الواعية لا تكتفي بالمظاهر، بل تنظر إلى الأفعال، وتقرأ ما بين السطور، وتميز بين الذي يخدمهم، والذي يستخدمهم.
التواضع الحقيقي لا يحتاج إلى كاميرا، بل يظهر في القرار العادل، في الإصغاء الصادق، وفي الاعتراف بالخطأ. أما التواضع الذي يُستعرض أمام العدسات، فهو مجرد مشهد في مسرح السلطة، لا يُبنى عليه وطن، ولا يُصنع به مستقبل.
فلنكن شعبًا يرى ما وراء الصورة، لا نريد من يُمثل علينا بل من يعمل لأجلنا.

زر الذهاب إلى الأعلى