صالحه آل بيهان القحطاني
ثلاثة عقود كاملة من الصراع مع الفشل الكلوي… ثلاثون عامًا من الغسيل، والعمليات، والانتظار المرهق، والخوف الذي يزحف في كل لحظة. لكن هذه الحكاية لم تنتهِ عند الألم، بل تحوّلت إلى درس في الصبر، وإرادة تصنع الأمل.
هذه هي قصة قبلان القحطاني، الشاب السعودي الذي لم يستسلم للهزيمة مرتين، بل انتصر على المرض مرتين، ليحوّل رحلته القاسية إلى رسالة إنسانية تلهم القلوب وتفتح أبواب الأمل أمام مرضى الكلى.
البداية… طفل أمام قرار الحياة والموت
كان عمره أربعة عشر عامًا فقط، يعيش في قرية تبعد 400 كيلومتر عن الرياض، حين جاءه التشخيص القاطع: “لا بد من البدء بالغسيل الكلوي فورًا”.
يصف قبلان تلك اللحظة قائلًا:
“كنت أشاهد الدم يخرج من جسدي ويعود إليه عبر الأنابيب… أصوات الأجهزة الباردة كانت تلاحقني، والخوف يسيطر عليّ. لم يكن هناك من يهيئني لهذه الصدمة، سوى والديّ اللذين وقفا معي بكل ما يملكان من حب.”
تسع سنوات ظل أسير الأجهزة، محرومًا من السفر، الدراسة، وحتى حضور المناسبات العائلية… كانت الحياة تدور فقط حول مواعيد الغسيل.
نافذة الأمل الأولى
في زمن كانت فيه ثقافة التبرع بالكلى شبه غائبة، تمكّن قبلان من إجراء زراعة كلى أولى، خارج المملكة ، لتبدأ مرحلة جديدة من العافية. لكن القدر لم يمنحه الأمان طويلًا… إذ عاد الفشل الكلوي مجددًا بعد سنوات، ليخوض تجربة الزراعة للمرة الثانية.
من مريض إلى داعم… ولادة فريق “متشافي”
هذه المرة، لم تكن معركته مع المرض فقط، بل مع الصمت المجتمعي تجاه معاناة المرضى. قرر قبلان أن يتحوّل من باحث عن المساعدة، إلى شخص يمدّ يده لمساعدة غيره.
أسس “فريق متشافي “التطوعي عام 2018 م – لدعم مرضى الكلى نفسيًا ومعنويًا، ويواسيهم ، يزورهم في المستشفيات، ينشر الوعي، ويبحث عن متبرعين لهم.
يقول:
“أرى شبابًا وفتيات في مقتبل العمر على أجهزة الغسيل، محرومين من أحلامهم… هذا ما يدفعني لأتحدث بصوتهم.”
قصة الطفل… حين تحوّلت النية إلى إنقاذ روحين
يروي قبلان واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا في حياته:
يحكي قبلان عن قصة متبرع التقى طفلًا يبكي في المستشفى بعد أن أخبره الأطباء بحاجته للغسيل.
قرر التبرع له، لكن الفحوصات أثبتت عدم التطابق.
اقترح الأطباء إجراء تبادل التبرع، فتبرع ذلك الرجل لسيدة، وتبرع مرافق السيدة للطفل.
“كانت فرحتان لا توصفان… حياة جديدة لطفل وسيدة في يوم واحد”،
رسائل قبلان… إلى المجتمع ومرضى الكلى
🔹 إلى المجتمع:
“التبرع بالكلى عمل إنساني لا يؤثر على صحة المتبرع إذا التزم بالتعليمات الطبية، لكنه يمنح حياة جديدة لإنسان آخر. لنكن مبادرين قبل أن يُطلب منا، فالمريض قد يمنعه الحرج من السؤال.”
🔹 إلى مرضى الكلى:
“لقد مررت بما تمرون به… تمسكوا بالأمل، ففرج الله قريب، والمتبرع قد يأتيكم فجأة.”
أمنيتي الكبرى أن يصل صوتي إلى كل من يستطيع دعم مرضى الكلى، وأن يجدوا من يخفف عنهم ما يمرون به.
أتمنى لقاء شخصيات مؤثرة، وعلى رأسهم الأستاذ فايز المالكي، للتعريف بمعاناتهم، ودعم الفرق التطوعية، ومساندة شباب الوطن الذين خاضوا تجارب قاسية مع المرض، وخاصة مرضى الكلى.
أحلم أن أكون حاضرًا في كل منطقة من مناطق المملكة، أزور المرضى، أتحدث باسمهم، أوصل احتياجاتهم، وأدعمهم نفسيًا ومعنويًا، وأقرب لهم الأمل، مع يقيني أن الأمل الحقيقي بيد الله سبحانه وتعالى.
أتطلع إلى أن يأتي اليوم الذي تجتمع فيه كل المبادرات الموجهة لمرضى الكلى تحت مظلة واحدة، وأن أكون شاهدًا وشريكًا في لحظة شفائهم، ليعودوا أفرادًا أصحاء قادرين على العيش مثل أي متعافٍ .
مشاريع الأمل
قريبًا… على اليوتيوب
بإذن الله، نحن بصدد إطلاق برنامج جديد على منصة يوتيوب، نستضيف من خلاله أشخاصًا عاشوا قصصًا ملهمة مع المرض عمومًا، ومع مرض الكلى على وجه الخصوص.
سنفتح المجال لزارعي الكلى والمتبرعين ليرووا تجاربهم، ونوجه لهم الشكر والتقدير على عطائهم، كما سنستمع لقصص مؤثرة من مرضى الغسيل الكلوي الذين يواجهون التحديات اليومية بصبر وإصرار.
البرنامج سيكون مساحة لنقل التجارب الإنسانية بكل صدق، ولإبراز النماذج التي حولت الألم إلى أمل.
ترقبوا الإعلان عن اسم القناة قريبًا مع انطلاق أولى الحلقات، ولا نستغني عن دعمكم لنصل بهذه الرسالة لأكبر شريحة ممكنة .
الحياة بعد الزراعة
عن تأثير الزراعة على الزواج، يقول قبلان:
“بعد الزراعة، يمكن للمريض أن يعيش حياة طبيعية، يتزوج، وينجب… أعرف الكثير من الأصدقاء الذين زرعوا وعاشوا حياة مستقرة.”
الأمل الذي لا يموت
“مرض الكلى سرق مني طفولتي وبدايات شبابي، لكنني مؤمن أن الله يعوض… واليوم، أريد أن أكون سببًا في أن يعيش الآخرون حياة أجمل.”
شكر وامتنان
“أتقدم بالشكر لصحيفة الساحات العربية، ممثلةً بالأستاذة صالحة القحطاني، على هذا اللقاء الذي منحني مساحة لإيصال صوتي ورسالة مرضى الكلى. كان لقاءً نابعًا من القلب ليصل إلى القلوب.”
بهذه الكلمات، لا تبقى قصة قبلان القحطاني مجرد حكاية طبية، بل شهادة إنسانية على أن الألم يمكن أن يتحول إلى وقود للأمل، وأن من ينجو… قادر على أن ينقذ الآخرين