مقال بقلم مبارك بن عوض الدوسري بعنوان (( الذكاء الاصطناعي وتنمية العضوية الكشفية: نافذة المستقبل بين أيدي الشباب ))

أصبحت الحاجة اليوم ماسة إلى إعادة النظر في أساليب جذب الشباب للحركة الكشفية، في ظل التغيرات التقنية المتسارعة التي يشهدها العالم، وظهور أدوات رقمية حديثة أحدثت نقلة نوعية في كيفية التواصل، والتخطيط، والتأثير؛ ومن أبرز هذه الأدوات: “الذكاء الاصطناعي”، الذي لم يعد مجرد رفاهية تقنية، بل أصبح ضرورة ملحة، يمكن تسخيرها لتنمية العضوية الكشفية عالمياً، وعلى وجه الخصوص وهو ما يهمنا في بلادنا العربية.

الحركة الكشفية، باعتبارها حركة شبابية تربوية عالمية، تضم في عضويتها 174 جمعية كشفية وطنية حول العالم، وتصل جهودها التربوية إلى كل ركن من أركان الأرض، تسعى اليوم لتحقيق رؤيتها الطموحة السابقة بتمكين 100 مليون شاب ليكونوا مواطنين فاعلين؛ ولتحقيق ذلك لا بد من أدوات غير تقليدية، تستوعب طبيعة الجيل الجديد وتواكب تطلعاته، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي.
لقد أطلق الإقليم الكشفي العربي منذُ مدة ليست بالطويلة مبادرة نوعية وأتمنى عودتها بعنوان “تنمية العضوية”، هدفها استقطاب الشباب من الجنسين وتعزيز المشاركة المجتمعية من خلال أدوات جديدة تعتمد على الابتكار والإعلام والمؤسسات؛ ويمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في هذه المبادرة، عبر تطوير خوارزميات تساعد في تحليل اهتمامات الشباب، وتصميم برامج تعليمية مخصصة لهم، واقتراح أنشطة كشفية تتماشى مع ميولهم، مما يسهم في تعزيز الجذب والارتباط بالحركة.
وتكمن أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ليس فقط في أتمتة الإجراءات أو تحسين الحملات الإعلامية، بل في خلق تجربة كشفية رقمية تفاعلية يعيشها الشباب بشكل حيوي؛ على سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تصميم محاكاة للمخيمات الكشفية العالمية، أو إطلاق منصات ذكية تتيح للمنتسبين تتبع تقدمهم في درجاتهم الكشفية، أو تنفيذ مسابقات وتحديات افتراضية تدمج المرح بالتعلم، كتلك التي تبنتها المبادرة في “التحدي الكبير للكشافين وغير الكشافين”.
ولا شك أن إشراك الشباب أنفسهم – من الفتية والشباب – في قيادة هذه النقلة التقنية أمر بالغ الأهمية، فهم الأقرب لفهم تقنيات العصر، والأكثر قدرة على ابتكار حلول رقمية جذابة لأقرانهم؛ وهذا يتطلب إتاحة الفرصة لهم لتولي مسؤولية تطوير المحتوى الرقمي، وإدارة المنصات الاجتماعية، وتصميم البرامج التقنية، بالشراكة مع الجمعيات الكشفية الوطنية.
وفي وطننا العربي، تبرز الحاجة إلى أن تكون الجمعيات الكشفية أكثر مرونة وقدرة على مواكبة هذا التحول، من خلال تدريب كوادرها على استخدام الذكاء الاصطناعي، وتعزيز الشراكات مع المنصات التقنية، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني لتوفير البنية التحتية الداعمة لذلك.
إن الذكاء الاصطناعي، حين يوظف بشكل صحيح، يمكن أن يكون وسيلة قوية لبناء مجتمع كشفي أكثر انتشاراً، وارتباطاً، وتفاعلاً مع الواقع المتغير؛ وكلما بادرنا إلى إشراك الشباب وتمكينهم من أدوات المستقبل، زادت فرصنا في صناعة قادة فاعلين، يسيرون بالحركة الكشفية نحو آفاق أكثر إشراقاً، وأكثر تأثيراً في صناعة السلام والاستدامة في العالم.
نعم، المستقبل بيد شبابنا، والذكاء الاصطناعي أحد مفاتيحه الكبرى.

مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3

زر الذهاب إلى الأعلى