مقال بقلم / ابتسام عبدالعزيز الجبرين بعنوان (( ” وماذا بعد ؟ ” ))

مضت الأيام الفاضلات كالسحاب، وأشرقت شمس الواقع من جديد… فانتهت أيام العشر، وأسدل موسم الحج ستاره، وتوقفت التكبيرات والتلبية.، لكن سؤالاً يتردد في القلب: ماذا بعد؟

يقول الحسن البصري رحمه الله:
“ما يزال المؤمن يزداد خيرا حتى يلقى الله”،
فلا موسم يغلق إلا ليفتح بعده باب جديد للطاعة، ولا لحظة قرب إلا ويجب أن تتبعها لحظة ثبات.

ماذا بعد التلبية والتكبير والتهليل والصلوات والطواف والسعي ؟
حين نادانا الله : أجبنا “لبيك اللهم لبيك”، ف لبينا، وارتجفت القلوب، ودمعت العيون. لكن التلبية لم تكن لمكان ، بل للحياة.
فمن لبى نداء الحج، فليلب نداء الإيمان في كل حين .
نداء الفجر حين يعلو الأذان ، ونداء الخير حين يطلبه الناس، ونداء النفس حين تبحث عن المعنى.
ماذا بعد كل الذكر والعبادات والطاعات؟
ألفنا الأصوات تصدح : “ الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله…”
لكن هل طبعت هذه الكلمات في القلب؟
قال ابن القيم رحمه الله:
“ في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته”.
وإذا خلوت بربي في مناجاة
أهدى إليك جلال القرب والسكن ..
فلنحمل ألسنتنا على الذكر كما كنا نحملها أيام التكبير. لا تكن أياما منقطعة، بل بداية لصحبة لا تفارق.
وماذا بعد المواسم الفاضلة ؟
قال أحد الصالحين:
“عباد الرحمن في مواسم الطاعات كالخيول في السباق، فإذا رأوا الفرصة انطلقوا، فإذا انتهت، لم يتوقفوا، بل واصلوا السير بثبات .”
ونحن اليوم على مشارف عام هجري جديد ، فليكن هذا العام صفحة لا بيضاء فقط ، بل مطرزة بعزيمة وتخطيط ونية صادقة وأمل وتفاؤل وطموح .

سنة تمضي ، وسنة تأتي ،
والعمر كالموج في فلك النجاة ،
فاخط طريقك نحو الله دوما
فالعمر فرصة ، لا تهدى إلا مرة واحدة ،
فلنجدد العهد مع الله .
اولا : عهد القرآن : أن يكون رفيقا لا زائرا .

وعهد الصلاة : أن تقام في وقتها بخشوع لا عادة .
وعهد القلوب : أن تطهر من الحسد والغيبة والبغضاء ، والكراهية .

وعهد الطاعات : التي بينك وبين ربك .
قال عمر بن عبد العزيز :
“ إن لي نفسا تواقة ، وإنها لا تقف عند حد ، فلما نالت الدنيا أرادت الآخرة ”.
واخيرا ماذا بعد؟
بعد كل موسم طاعة .
هناك اختبار حقيقي : اختبار الاستمرار .

فالسؤال ليس: ماذا فعلت في الأيام الفاضلات؟ بل: ماذا ستفعل بعدها ؟
هل ستكون من أهل الخير ؟
فإن مضت أيامنا الفضلى
فلنبق أثرها في القلب حيا ..
فالعبد لا يُختبر في ذروة طاعته
بل حين يهدأ الركب ، ويغفو الندى .

نسأل الله أن لا نكون من أولئك الذين يعرفونه في موسم وينسونه في باقي العام، بل من الثابتين على بابه، السائرين في دربه، ولو تعثروا عادوا، ولو فتروا استغفروا، ولو بعدوا اقتربوا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى