بقلم/ سمو العتيبي
في مجالس البدو قديمًا، كان شيخ القبيلة يجتمع بقومه ثم يُصب الفنجان فيقول الشيخ: هذا فنجال فلان، فيُفهم أن من يشربه قد تكفّل بالمهمة أو أعلن التحدي. عبارة مشروب فنجاله إذن ليست مجرد كلمات، بل رمز لإنجاز الأمر أو إعلان الاستعداد. وقد تتخذ معنى الشكر أو المعاتبة المهذبة في سياقات أخرى مثل قولهم: قهوتكم مشروبة.
لكن حين تنتقل هذه العبارات من سياقها الثقافي إلى فضاء الرياضة، قد يُساء فهمها، وقد تُفسَّر بعيدًا عن معناها الأصيل، فتتحول من رمز للتحدي الشريف إلى مادة للجدل أو الردود غير اللائقة. وهنا يظهر الفرق بين من يعرف عمق التراث ومن يكتفي بسطحية التفسير.
القهوة والكرة: رمزان للشعبية، كما أن القهوة العربية تُشرب مرةً منذ الصغر، فإن كرة القدم تُمارس بشغف منذ الطفولة. كلاهما جزء من هوية الناس، وكلاهما يعبّر عن الجماعة والروح المشتركة. القهوة تجمع الضيوف حول الدلة، وكرة القدم تجمع الملايين حول المستطيل الأخضر.
كرة القدم ليست مجرد لعبة؛ هي مدرسة في الصحة والعقل والاجتماع. فهي تقوي القلب والعظام، وتزرع روح الفريق، وتخفف التوتر. لكنها أيضًا قد تكون ساحة خلافات، من قرارات التحكيم إلى التعصب الجماهيري، بل إلى الشغب الذي عرفته الملاعب الغربية منذ القرن التاسع عشر.
يبقى السؤال: هل كرة القدم تجمع العرب أم تفرقهم؟
نحن العرب نملك إرثًا من القيم الدينية والعادات الأصيلة التي تضبط سلوكنا، وتجعلنا نرى الرياضة وسيلة للتنافس الشريف لا للخصام. قد نختلف في الأندية والألوان، لكننا نتفق في أن الأخوّة فوق كل شعار، وأن الفنجان مهما شُرِب يبقى رمزًا للوفاء والكرم لا للعداوة والبغضاء.
