حين هممت بالكتابة عن اليوم العالمي للتطوع، وجدت أنني أسترجع ذكرياتٍ نابضة بالعطاء مع الفرق التطوعية وما تركته من أثر في نفسي. ومن خلال رحلتي مع الفرق التطوعية، أدركت أن هذا العمل الإنساني هو أعظم وسيلة لبناء جسور المحبة بين أفراد المجتمع.
كانت أولى خطواتي في عالم التطوع عبر التعليق الصوتي في قناة “تليغرام” للمكفوفين، ثم انضممت إلى فريق نبض جدة التطوعي كعضو ومشرف ميداني، لأتعلم أن العمل الجماعي هو سر النجاح. بعدها شاركت بالتطوع مع المعهد الملكي للفنون التقليدية في فعاليات متعددة، قبل أن أصبح عضوًا في فريق فعاليات المجتمع التطوعي، ثم مستشارة لفريق سنابل الخير والعطاء التطوعي.
من أجمل التجارب التي عشتها كانت زياراتي لدور الرعاية الاجتماعية؛ بدأت بمسنات الرياض مع فريق فعاليات المجتمع التطوعي، ثم تلتها زيارة المسنين مع فريق سنابل الخير والعطاء. أعد المتطوعون والمتطوعات هدايا العيد والقهوة العربية، والأكلات الشعبية التي لامست مشاعر النزلاء، وأدى أعضاء الفريق العرضة السعودية والأهازيج الشعبية. كانت لحظات مفعمة بالسرور والأنس، حيث اندمج آباؤنا المسنون مع الفريق، وغنوا وصفقوا ورقصوا، واستعادوا ذكريات شبابهم وبطولاتهم.
وفي لحظة الوداع، استوقفني أحد النزلاء بكلماتٍ كان لها وقعٌ عميق في داخلي:
“لا تقاطعونا… كرروا الزيارة. لا نريد هدايا، نريدكم أنتم. نسمع أخباركم وتسمعون أخبارنا، أنتم زهرة الدار.”
كانت كلماته كافية لنُدرك أن الزيارة ليست واجبًا عابرًا، بل حياة تُبث في قلوب أنهكها الغياب.
المسنون يعيشون بين جدران صامتة يملؤها الانتظار، قلوبهم حدائق عطشى، وأرواحهم طيور حبيسة لا تنبض إلا حين يدخل عليهم زائر يحمل أنفاس الحياة. في صمتهم حكايات، وفي ابتسامتهم المرهقة رجاءٌ ألا يُتركوا للنسيان.
إذا كنا نُذكّر بزيارة أهل القبور، فإن أهل الدور أولى بالتذكير والحث على زيارتهم. هؤلاء آباؤنا وأمهاتنا الذين انقطعت بهم سبل العيش تحت كنف أسرهم. ومسؤوليتنا لا تقف عند التذكير بل تمتد إلى أكثر من ذلك ومن هذا المنطلق، أتوجه برجاء وأمل إلى الجهات المعنية أن تتبنى مبادرات توعوية تشجع المجتمع على زيارة دور الرعاية الاجتماعية، بالتنسيق مع الدور حتى تكون الزيارة مثمرة وآمنة، وأن تتحول المبادرات إلى برامج مستمرة تُعيد الحياة لقلوب نزلائها، وتخفف الشعور بالوحدة.
الفرق التطوعية وقادتها هم الأبطال الحقيقيون، الجنود المجهولون، رواد الخدمة المجتمعية وسفراء الخير. هم من يستحقون التكريم والتصفيق، لأنهم يقدمون الخير بلا مقابل، ويؤثرون العطاء على بهجة العيد مع أسرهم.
إلى كل قائد فريق تطوعي، وإلى كل عضو متطوع:
طبتم وطابت مساعيكم. أنتم زهرة الدار، صنّاع الأثر، وبُناة الأمل. بعطائكم تُكتب الحكايات، وبجهودكم تُخلّد القيم الإنسانية النبيلة في وطننا العزيز. زوروا الدور… فزيارتكم حياة.
