تمنّيت فرصًا تعليمية ومهنية كثيرة، لكنها لم تُتح لي بسبب شرطٍ لا يستند إلى منطق أو عدالة: تحديد الفئة العمرية. كيف يُقصى أبناء وبنات الوطن الأوفياء لمجرد أنهم تجاوزوا سنًّا معينًا؟ من ١٨ إلى ٤٠، ثم إلى ٣٥، ثم إلى ٣٠… إلى أين نمضي؟ ومتى ينتهي هذا الإجحاف؟
دون الحاجة إلى ذكر جهة بعينها، يتكرر هذا الأمر علينا كل عام: تعليم، تعيين، ابتعاث، عمل، تدريب… لماذا كل هذا التقييد؟ ومن الذي سنّ لنا شرط تحديد الفئة العمرية للتعليم أو العمل؟!
كم من رجل وامرأة تجاوزوا الستين من العمر، ولا يزالون بكامل صحتهم وعطائهم. فلماذا تُطفَأ شمعتهم، وهم يحملون في أعماقهم من الخبرة والحنكة ما تعجز كل كتب الدنيا أن تلقننا إياها؟ لماذا لا يُخيَّرون بين الاستمرار في العمل أو التقاعد؟ أليس من الحكمة أن يُستثمر هذا الرصيد البشري بدلًا من إقصائه؟ وهل من تجاوزوا الأربعين قد انتهت صلاحيتهم، ولم يعودوا أهلًا للدراسة أو العمل؟ من الذي سنّ هذا الشرط؟ ومن الذي قرر أن من تجاوز الثلاثين أو الأربعين أو حتى الستين لم يعد صالحًا للتعليم أو العطاء؟هل تُقاس صلاحية الإنسان بتاريخ ميلاده، لا بقدرته وشغفه؟ إن العمر ليس قيدًا، بل رصيدٌ ثمين، إلا في حال وجود عارض صحي يمنع العطاء.
كم من حلمٍ تأخر، فهل يُعقل أن يُغلق باب التعليم في وجه من بدأ رحلته متأخرًا؟ ربما كانت ظروفه خارجة عن إرادته، لكنه يحمل في قلبه شغفًا مضاعفًا لا يُستهان به.
هذا الأمر يثير التساؤلات حول مدى إيمان أصحاب هذا القرار بإمكانية التعليم المستمر والنمو في مختلف مراحل الحياة وكأن من تجاوز هذا العمر لم يعد مؤهلا رغم أن كثيرا من النضج والرغبة في التطوير تبدأ بعد الأربعين.
التعليم حق إنساني مستمر وليس امتيازا لفئة عمرية (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) عبارة مشهورة، وقد كان الأئمة يطلبون العلم إلى أن يدخلوا القبر.
ثم إن من وضع هذا القرار قد تجاوز أنظمة الدولة بشكل صريح، ألسنا في وطنٍ يحتكم إلى الكتاب والسنة؟
أما الكتاب فيقول الحق سبحانه (وقل رب زدني علما) {طه: ١١٤} أن المؤمن يطالب بالزيادة المستمرة في العلم مهما بلغ من عمره وقوله أيضا: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} [الزمر: ٩] وقوله: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [المجادلة: ١١]، وهذا يشمل كل الأعمار لم يحدد سبحانه فئة عمرية!!
وأما السنة فيقول عليه الصلاة والسلام: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجه، لم يقل حتى سن الأربعين.
وقال أيضا: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) رواه أبو داود والترمذي.
وعن ابن مسعود رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين:  رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) لم يطلب من صاحب الحكمة أن يتقاعد!
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحبا مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم واقنوهم) قلت للحكم: ما اقنوهم؟ قال: علموهم. فهل نرد من جاء يطلب العلم بسبب عمره؟!
فيا قومي أين مرحبا مرحبا؟ أين وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
نحن نؤمن بالعدالة والفرص المتكافئة لذلك لابد من مراجعة سياسات تحديد العمر في التعليم والعمل، وفتح الأبواب لكل من يحمل شغفا وقدره على العطاء، بغض النظر عن عمره. فالوطن لا يبنى إلا بسواعد الجميع، شبابا، وشيوخا، رجالا ونساء.
يا قومي، آن الأوان أن نقول مرحبا مرحبا لكل حلم تأخر، ولكل عقل نضج، ولكل قلب مازال ينبض بالعطاء.
				