مقال بقلم الاعلامية والكاتبة/ سمو العتيبي بعنوان (مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك) (أين هي من نهضة الخليج؟)

في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها دول مجلس التعاون الخليجي، من مشاريع تنموية رائدة إلى قفزات نوعية في مجالات التقنية والثقافة والإعلام، يُطرح سؤالًا جوهريًا حول دور مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية: أين هي من هذا المشهد؟ ولماذا لا يواكب إنتاجها الإعلامي مستوى الطموح والتطور الذي تعيشه المنطقة؟

تأسست المؤسسة عام 1976 في الكويت، كمبادرة خليجية تهدف إلى توحيد الرسالة الإعلامية وتعزيز الهوية الثقافية المشتركة. وقدمت على مدى سنوات أعمالًا خالدة مثل (افتح يا سمسم) و(مدينة المعلومات)، التي شكلت علامات فارقة في الإعلام التربوي والثقافي، ورسخت حضورًا خليجيًا موحدًا في وجدان الأجيال.
لكن الماضي وحده لايكفي، فالحاضر يفرض تحديات جديدة تستدعي تجديد الدور والرسالة.

في أبريل 2025، أعلنت مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية عن إطلاق منصة 51، في خطوة وُصفت بأنها بداية التحول الرقمي للمؤسسة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تكفي هذه الخطوة لإعادة المؤسسة إلى الواجهة؟ وهل يمكن لمنصة رقمية أن تعوّض سنوات من الغياب عن المشهد الإعلامي الخليجي المتجدد؟ وهل يعقل أن تبقى المؤسسة في الظل، بينما الخليج يسطع إعلاميًا على مستوى العالم؟

لطالما كانت المؤسسة رمزًا للتعاون الإعلامي الخليجي، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا ملحوظًا في حضورها، في وقتٍ تتسابق فيه دول الخليج إلى بناء منصات إعلامية رقمية، وإنتاج محتوى يواكب طموحاتها التنموية والثقافية.

منصة 51، رغم كونها خطوة في الاتجاه الصحيح، لا تزال في بداياتها. والتفاعل الجماهيري لم يبلغ بعد المستوى الذي يعكس تطلعات الجمهور الخليجي. منصة 51 قد تكون الشرارة، لكن الخليج ينتظر وهجًا إعلاميًا مستدامًا، لا يكتفي بالومضات.

إن دول الخليج اليوم لا تفتقر إلى الإمكانات، ولا إلى الكفاءات، بل إلى رؤية إعلامية مشتركة تُترجم هذا التقدم إلى محتوى مؤثر، يعكس الواقع ويصنع المستقبل. فهل آن الأوان أن تستعيد المؤسسة دورها كمنبر حي، لا أن تبقى مجرد ذكرى من زمنٍ مضى. أن تكون منصة لإنتاج أعمال درامية ووثائقية تقدم محتوى معاصر يعكس نبض الخليج، ويخاطب الأجيال الجديدة بلغتها، دون التفريط في الهوية الثقافية.

إننا لا ننتقد من فراغ، بل من محبة وحرص. ورغم التراجع في الحضور، لا تزال المؤسسة تملك الاسم والتاريخ والفرصة. وقد أثبتت ذلك مؤخرًا بفوزها بجائزتين في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون 2024، عن برنامج (مبدعات خليجيات) ومسلسل (المحطة)، في دلالة على قدرتها على تقديم محتوى نوعي حين تتوفر الإرادة. وما ينقصها اليوم هو رؤية إعلامية جريئة، وشراكات إنتاجية جديدة، تعيدها إلى موقعها الطبيعي في قلب المشهد الإعلامي الخليجي، لا على هامشه؛ أن تكون على قدر الطموح، وتعكس الرقي الذي بلغناه. فالمؤسسة لا تحتاج إلى إعادة تعريف، بل إلى من يعيد لها نبضها، ويمنحها شرايين جديدة تنبض بلغة الخليج، بروحه، وبطموحه الذي لا يعرف التوقف.

زر الذهاب إلى الأعلى