الشعر يعبر الحدود… معرض الرياض الدولي للكتاب يفتح أبواب القصيدة للعالم

الرياض – سمو العتيبي

ندوة “كرسي اليونسكو لترجمة الثّقافات” تحوّل النُّصوص السّعوديّة إلى جواز سفرٍ عالميّ

في قلب معرض الرِّياض الدّولي للكتاب 2025، حيث تلتقي الحضارات وتتمازج اللغات، اختارالشِّعرُ أن يتصدَّر المشهدَ. لم تكن القاعاتُ مزدحمةً فقط بالكتب والقُرَّاء، بل ضجَّت أيضًابنصوصٍ تتنفس بلغتين وتبحث عن فضاء أبعدَ من حدود الورق.

ضمن برنامجه الثَّقافي، نظّم المعرض ندوةً حواريّةً لافتةً بعنوان: “كتاب كرسي اليونيسكولترجمة الثّقافات”، حاور فيها الدّكتور حاتم الزّهراني ثلاثة أصواتٍ شعريَّة بارزة: الشَّاعروالمترجم عبدالوهاب أبو زيد، والدكتورة مستورة العرابي الشَّاعرة والنَّاقدة، والشَّاعر محمدالخضر.

النّدوة جاءت احتفاءً بكتاب “تتبع الأثير” الصَّادر عام 2023 عن منظمة الأمم المتَّحدة للتَّربيةوالثَّقافة والعلوم (اليونسكو)، بدعمٍ من هيئةِ الأدب والنَّشر والتَّرجمة. العمل ضمَّ مختاراتٍشعريَّةً مترجمةً من 62 نصًّا لشُعراء سعوديّين من أجيالٍ مختلفة، مع تركيزٍ خاصٍّ على جيلالألفيَّة، ليؤسِّس حوارًا مُتجدّدًا بين ثقافتين، ويمنح القصيدة السّعودية صوتًا يتردَّد بلغتين لأوَّلِمرَّة أمام العالم.

قصائد تتجاور… وجيلان يلتقيان

افتُتحت الجلسةُ بقراءة الشَّاعر محمَّد الخضر قصيدتَه “صورة البيت القديم”، تلتها الدّكتورةمستورة العرابي بنصّ “نافذة تُطلُّ على الليل”، ثمَّ عبدالوهاب أبو زيد بقصيدته “محاولة”. بدتالقراءاتُ أشبهَ بجسرٍ زمنيٍّ حيث التقى جيلان في نصوصٍ مترجمة عكست قضايا إنسانيَّةوأصداءً قصصيَّة، صيغت لتصل إلى المُتَلقِّي الغربيّ دون أن تفقد نكهتها العربيّة.

لم يقتصر الحضورُ على الإصغاء، بل تفاعلوا مع النُّصوص العربيَّة بشكل لافتٍ، في لحظةٍ أكَّدتأنَّ الشِّعر ما زال يحظى بمكانةٍ رفيعةٍ في معرض الرّياض الدّولي للكتاب.

الأثير… من مادَّة غامضةٍ إلى خريطةٍ شعريّة

حملت النِّقاشاتُ النَّدوةَ إلى سؤالٍ جوهريٍّ: كيف يمكن للنُّصوص أن تنتقل بين فضاءاتِالثَّقافة الرَّقميَّة واللغة الشِّعريَّة؟

أوضح محمَّد الخضر أنَّ عنوان الكتاب “تتبّع الأثير” استُلهم من ثلاث قصائد، أبرزها “البيتالقديم”، مشيرًا إلى أنَّ العرب قديمًا كانوا يتتبَّعون الرَّمْلَ والنُّجوم لمعرفة مواسم المطروالزّراعة، أشبه بخريطةٍ إلكترونيّة بدائيّة، وهو ما يتقاطع اليوم مع الخرائط الرَّقميَّة التي يوظِّفهاالشُّعراء المعاصرون.

أمَّا الدّكتورة مستورة فذهبت أبعد من ذلك، مؤكِّدة أنَّ العلاقة بين الرَّقميّ والشّعري جدليَّة:“الرّقميّ يمنح حضورًا للذَّات والهويَّة عبر البيانات، فيما يمنحُ الشّعرُ هذا الرَّقم بعدًا إنسانيًّاورحابة تتَّسعُ للعالم”.

التَّرجمة… مغامرة لغويّة ومجازفة إبداعيّة

الشَّاعر والمترجم عبدالوهاب أبو زيد توقَّف عند صعوبة ترجمة الشِّعر، واصفًا إيَّاها بأنَّها “لغةداخل اللغة”، قد يستحيل أحيانًا نقلُها دون خسائر، لكنَّها تظلُّ الوسيلةَ الأبرز للتَّواصل مع الآخر. استشهد بترجمةِ رباعيَّات الخيَّام من الفارسيّة إلى الإنجليزيَّة التي تحوَّلت إلى نصٍّ مركزيٍّ فيالأدب الإنجليزي، قائلاً: “التَّرجمة تُعيد اختراع النَّصّ الأصليّ وتضاعف تأثيره، وهو ما يجعلالقصيدةَ السّعوديّة قادرةً على عبور القارّات”.

القصيدة السّعوديّة… من الرّياض إلى العالم

في النِّهاية، بدا واضحًا أنّ الكِتاب ليس مجرَّد مختاراتٍ شعريّة، بل مشروعٌ ثقافيٌّ يتعامل معالشّعراء السّعوديّين بوصفهم “رحالة ثقافيّين” ينقلون أصواتَهم عبر لغتين، ويجعلون القصيدةَبوابةً لفضاءاتٍ سبرانيّة جديدة.

هكذا غادر الحضورُ النَّدوةَ محمّلين بوعيٍ جديد: أنَّ الشّعر السّعوديّ لم يعدْ صوتًا محليًّاوحسب، بل صار مرآةً تعكس الذَّات وتترجمها للعالم، حيث تتحوَّل القصيدةُ من بيتٍ قديم إلىخريطة جديدة ترسم مستقبلَ الأدب.

زر الذهاب إلى الأعلى