المنطقة الشرقية _ روزان المطيري
في المسرح، تُضاء الخشبة ليس فقط بالأضواء، بل بالأفكار التي تهتز فوقها الأرواح. يقول أرسطو في فن الشعر: “المسرح محاكاة للحياة، لكنه محاكاة تُثير الرحمة والخوف معاً.” ويضيف أنطونين آرتو: “المسرح ليس مجرد مرآة، بل صاعقة توقظ الروح النائمة.”
هنا، بين هذه الرؤى، نلتقي كاتبًا مسرحيًا لم تكتفِ طفولته بالمشاهدة واللعب، بل حمل شغفًا يتحول إلى وعي وفن، ليكشف لنا كيف يمكن للفكرة أن تُصبح حياة، وكيف يمكن للكلمة أن تخلّد قضية إنسانية تتجاوز الزمان والمكان. هذا الحوار رحلة عبر الخشبة، بين شغف البداية وقلق الوعي، بين الفكرة والشخصية واللغة التي تصوغ النص النهائي.
1. بدايةً، ما الحافز الحقيقي الذي قادك إلى المسرح كخيار إبداعي؟ وهل كان هذا الطريق قدراً كُتب لك، أم قراراً واعياً اتخذته بإصرار؟
قال الكاتب: قد يكون المسرح بدأ معي منذ الطفولة، من خلال المشاهدة أولاً. كنت طفلاً مثل سائر الأطفال أحب التقليد بشكل فطري، أقلّد الأبطال الخياليين أو من حولي، ثم حين نمت معي ملكة الرسم صرت أرسم على وجهي ملامح الشخصيات وأمثلها.
وأضاف: تدريجياً أخذ المسرح يكبر معي عبر مشاهداتي لمسرحيات بداية الثمانينات، سواء مسرحيات الكبار أو مسرحيات الأطفال لعبد الرحمن العقل. كان حلمي كله أن أخوض هذه التجربة، أن أكون ممثلاً.
وأوضح: بعد سنوات من القراءة والتجارب في القصة القصيرة والرسم وحتى الشعر، وجدت النص المسرحي عالماً جديداً يستحق الوقوف عنده. ومن ثمّ بدأت أولى خطواتي في هذا العالم بقرار واعٍ اتخذته عن شغف وحب وقناعة.
2. كيف ترى انعكاس المسرح على واقعنا الاجتماعي اليوم؟ وهل تراه ما يزال قادراً على زعزعة القناعات وإشعال أسئلة جديدة في وعي المتلقي؟
أجاب قائلاً: المسرح لا ينبغي أن يكون مجرد فعل ترفيهي، بل فعل ثقافي وفني معاً، له أثر في إثارة الأسئلة وتوسيع المدارك.
وأضاف: العروض التي تُعرض في المهرجانات خاصةً تتميز بقدرتها على طرح نصوص بعيدة عن النمطي والسائد، فيتهيأ المتلقي هناك لاشتعال الأسئلة الفلسفية والوجودية والثقافية في ذهنه.
3. حين تشرع في كتابة نص مسرحي، ما الذي تمنحه الأولوية: الفكرة، اللغة، أم الشخصية؟ ولماذا هذا الترتيب تحديداً؟
قال: أولويتي دائماً هي الفكرة، فهي المحرّض الأول. أتركها تنضج في رأسي وأحاورها حتى تكتمل، ثم أنتقل إلى خلق الشخصيات القادرة على حملها وتجسيدها، وبعدها تأتي اللغة التي تصوغ الحوار وتمنح النص شكله النهائي.
4. ما تقييمك لتجربة ورشات الكتابة المسرحية؟ وهل أثمرت بالفعل في صقل المواهب وصناعة جيل جديد من الكُتّاب؟ وما النصيحة التي تقدمها لكل كاتب واعد؟
قال الكاتب: ورش الكتابة مهمة للغاية، فهي تضع الموهوب على الطريق الصحيح، وتقدم له المفاتيح وتعلّمه كيفية الاشتغال على النص. لكن نجاحها مشروط بعنصرين: كفاءة المدرب في إيصال المعلومة، وجدية المتدرب في التلقي والتطبيق.
وأضاف: قدّمت شخصياً عدداً من الدورات، ووجدت أن المتدربين ينقسمون بين من يملك الشغف ويواصل، ومن يحضر لتمضية الوقت فيغادر دون أثر. ونصيحتي لكل كاتب واعد: القراءة ثم القراءة، وحضور العروض المسرحية بوعي.
5. كيف تنظر إلى المهرجان المسرحي في الدمام، أو في المنطقة الشرقية عموماً؟
قال: المنطقة الشرقية عرفت مبكراً فكرة المهرجانات، إذ انطلق مهرجان الدمام للعروض القصيرة عام 2003، وكان حاضنة خرج منها كتّاب ومخرجون وممثلون وسينوغرافيون.
وأضاف: استمر المهرجان 11 دورة، بدأ محلياً ثم انتهى خليجياً، لكنه توقف بسبب قلة الدعم. بعد ذلك أطلق مركز الملك عبد العزيز الثقافي “إثراء” مهرجاناً آخر تطور سريعاً، وأصبح يشارك بعروضه في مهرجانات محلية وعربية ويحصد الجوائز.
وأوضح: كما لا يمكن إغفال ملتقيات المونودراما والديودراما التي نظمها “بيت المسرح” في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، حيث لعبت دوراً في تحريك المشهد بعد توقف المهرجان.
6. هل يمارس الكاتب المسرحي رقابة ذاتية على نفسه قبل أن تفرض عليه رقابة خارجية؟
قال: نعم، أضع لنفسي حدوداً كاتب، وأعرف لمن أكتب. هدفي ليس الاصطدام فقط، بل مقاربة القضايا بوعي. ومع ذلك لا أتردد في تناول الموضوعات الحساسة من زاوية إنسانية.
وأضاف: في مسرحية “إصبع روج” ناقشت اضطراب الهوية الجنسية، وهو ما أثار بعض الجدل وتفسيرات خاطئة، لكنني رأيت أن النص تناول الجانب الإنساني فقط. الكاتب يحتاج سقفاً عالياً من الحرية، لكن ليس حرية مطلقة، بل حرية واعية تدرك طبيعة المتلقي.
7. لو أتيح لك أن تكتب نصاً يُخلَّد لعقود طويلة، أي قضية ستختار؟
قال: الاختيار صعب، لكن أي نص يتناول قضايا الإنسان الكبرى يمكن أن يخلّد. القضايا الآنية أو المحلية تنتهي بانتهائها، بينما قضايا المرأة والطفل واللاجئين والمغتربين تبقى حيّة وصالحة لكل زمان.
وأضاف: حين كتبت “صبية كان اسمها حنين” عن زواج القاصرات، وجدت النص يهز وجدان الجمهور على اختلاف لغاته وثقافاته، لأنه تناول قضية إنسانية تتجاوز حدود اللحظة والمكان.
خاتمة
وفي ختام هذا الحوار، يبرز جانب آخر يضيف بعداً إنسانياً وفنياً لمسيرة الكاتب: فهو مدرّب في كتابة النصوص المسرحية بمعهد ثقف التابع لجمعية الثقافة والفنون، وقد تتلمذت على يديه شخصياً. لمسنا فيه أمانة في إيصال المعلومة، وحرصاً على تدريبنا بآلية كاملة وشاملة، ليس مجرد ناقل معرفة، بل قيمة فنية رفيعة تعكس شغفه والتزامه بالفن. وهنا أخص بالشكر لمعهد ثقف على إتاحة هذه الفرصة، وللمدرّب الذي أضاء طريقنا نحو فهم أعمق للمسرح وكتابة النصوص المسرحية.