ريام الأحمدي: السماء للجميع… وقصتي مع أول مجلة فلكية سعودية

فايزة صديق
في المساءات المظلمة ، حيث يعلو صمت الكون على ضجيج الأرض، تقف ريام الأحمدي أمام نجومٍ تعرفها بالاسم، لكنها تراها بعين مختلفة؛ عين الباحثة، والحالمة، والراوية التي قررت أن تحكي قصة السماء بلغة يفهمها الجميع.

ريام ليست مجرد هاوية فلك؛ إنها مؤسِّسة منصة «آستروفايل | Astrophile»، ورئيسة تحرير أول مجلة فلكية سعودية، وصوتٌ عربي يصرّ على أن العلم يمكن أن يكون قريبًا وبسيطًا، بلا مصطلحات معقدة أو حواجز نخبوية.

تقول في بداية حوارنا:
“كنت وما زلت أرى أن الكون ليس علمًا للنخبة فقط. أردت أن يكون الفلك متاحًا للجميع؛ للطفل الذي يرفع رأسه بدهشة، وللشاب الذي يتأمل السماء بحثًا عن معنى، وللمرأة والرجل الذين يرون في النجوم امتدادًا لقصص أجدادنا.”

*من فكرة عابرة إلى منصة تنبض بالحياة*

بدأت الأحمدي مشوارها بمبادرة فردية بسيطة عام 2018، لم تكن تملك حينها سوى شغفها الكبير وفضولها الدائم. أطلقت مشروعًا صغيرًا باسم «آستروفايل | Astrophile»، هدفه تبسيط علوم الفضاء للعامة.
لم يمضِ وقت طويل حتى تحولت هذه المبادرة إلى مجتمع فلكي متماسك، ثم إلى فريق صغير من ثلاثة أشخاص. ومن هناك، وُلدت فكرة المجلة. تقول:
“في البداية كنت فرد مستقل بعدها أصبحنا ثلاثة أشخاص واليوم فريق آستروفايل تجاوز العشرين شخص من الخبراء والهُواة في مجالاتهم الفلكية.”

اليوم، تقف استروفايل كواحدة من المنصات العربية الرائدة، تضم فريقًا متخصصًا، وتصدر عنها مجلة فلكية هي الأولى من نوعها في السعودية، تفتح نافذة علمية بلغة سلسة على أحدث اكتشافات الكون.

*الصعوبات… والسماء أرحب من أن تضيق*

كثيرون قد يتوقعون أن دخول امرأة في مجال الفلك سيحمل معه عراقيل اجتماعية أو ثقافية. لكن ريام تبتسم بثقة وهي تجيب:
“لم أشعر يومًا أن كوني امرأة شكّل عائقًا. نحن في مجتمع داعم للعلوم، والمجال مفتوح أمام كل من يملك الشغف والمعرفة. التحديات التي واجهتها كانت مرتبطة بطبيعة الفلك نفسه، مثل الرصد الذي يحتاج إلى أماكن بعيدة عن التلوث الضوئي، وهذا يعني التنقل إلى مناطق نائية.”

غير أن هذه الصعوبات لم توقفها، بل دفعتها للتفكير بحلول عملية، فتضيف:
“فكرة محميات النجوم هي الحل الأمثل، مثل محمية الملك خالد وغيرها من المحميات الطبيعية. هي أماكن آمنة ومنظمة، وتتيح للمهتمين ممارسة الرصد دون قلق.”

*الدعم… حين يتجاوز التوقعات*

تروي الأحمدي كيف فوجئت بحجم الدعم الذي انهال عليها وعلى فريقها مع إطلاق المجلة:
“تلقيت دعمًا وتشجيعًا لا يُقدّر بثمن. الأرقام كانت عالية منذ البداية، والاهتمام جاء من داخل المملكة وخارجها. جهات عربية ودولية تواصلت معنا لبحث سبل التعاون والرعاية، بعدما لمسوا أثر المجلة على الجمهور.”

هذا الدعم عزّز إيمانها بأن هناك تعطشًا حقيقيًا للمحتوى العلمي الموثوق والمبسّط باللغة العربية.

*الفلك في السعودية… المستقبل قادم*

وحين سألناها عن مستقبل الفلك في المملكة، ارتسمت على وجهها ملامح تفاؤل واضح:
“الفلك في السعودية أمامه مستقبل كبير بإذن الله. هناك كليات وتخصصات فلكية تتوسع يومًا بعد يوم، ومع وجود وكالة الفضاء السعودية وهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، إضافةً إلى البرامج والمسابقات التي تدعم المتخصصين، فإن البيئة اليوم مهيأة أكثر من أي وقت مضى.”

*طموح يتخطى حدود الكوكب*

أما عن طموحاتها الشخصية، فتقول بلهجة تفيض يقينًا:
“أطمح أن تكون «آستروفايل | Astrophile» الوجهة الأولى التي يلجأ إليها كل عربي، سواءً كان باحثًا متخصصًا أو مجرد هاوٍ شغوف. نريد أن نستمر في مسيرتنا المشرفة، وأن نقدم الفلك كما يجب أن يُقدَّم، بلغة مبسطة، بروح عربية، وبصورة تليق بإرثنا العلمي.”

وتضيف أمنية بعيدة المدى:
“أتمنى أن تتبنى المجلة مستقبلًا جهة متخصصة، لتضمن استمرارها ونموها بصورة مؤسسية أكبر.”

*رسالة إلى الشباب*

وفي ختام الحوار، وجّهت ريام رسالة للشباب المهتمين بالفلك، تحمل بين سطورها دعوة مفتوحة:
“لا تظن أن الفلك يحتاج تلسكوبًا باهظًا أو دراسة أكاديمية عميقة. السماء للجميع، والكون للجميع. تستطيع أن تستمتع بجماله وتفهمه حتى بعيونك المجردة. أجدادنا والأولين اعتمدوا على النجوم في حياتهم اليومية، دون أدوات معقدة، ونحن قادرون اليوم على أن نعيد هذه العلاقة مع السماء، لكن بلغة العلم والمعرفة.

زر الذهاب إلى الأعلى