مقال بقلم شادية الغامدي بعنوان (( الذات البشرية .. اشبه بالبحر ))

  نعيش اليوم بين كلمات مبعثرة، وافكار متلاطمة كأمواج البحر العاتية، ووسط كل هذا  الضجيج الخارجي، يبرز سؤال جوهري: متى كانت آخر مرة التفتنا فيها إلى داخلنا؟ متى تأملنا الذات كأفقٍ ممتدّ، لا كمجرد انعكاس في مرآة؟

الذات الإنسانية أشبه ببحر ليس له حدود، كلما غصنا فيه اكتشفنا عوالم لم نكن نعرفها. في ظاهرها، قد تبدو هادئة، مألوفة، لكنها في العمق تحتفظ بأسرار، وطبقات من الوعي، ودهاليز من التجارب والمشاعر التي لا تظهر للعيان إلا لمن تجرأ على الغوص.

إن فهم الذات ليس ترفًا فلسفيًا، بل هو حجر الأساس في بناء الإنسان المتزن، القادر على مواجهة الحياة بوعي واتزان. فمن لا يغوص في داخله، ستبتلعه تيارات الخارج، ويعيش متأثرًا لا مؤثرًا، منقادًا لا قادرًا على القيادة.

ولعلّ أجمل ما في رحلة الغوص إلى الداخل، أنها لا تنتهي. ففي كل مرحلة من العمر، وفي كل تجربة نمرّ بها، نكتشف طبقة جديدة من وعينا، ونضيء زاوية كانت مظلمة، ونصالح جزءًا من أنفسنا كان مُهملاً أو مكبوتًا.

إننا حين نُدرك أن البحر الذي بداخلنا ليس أقل عمقًا من كل بحار الدنيا، ندرك في الوقت ذاته أن قوتنا لا تأتي من الخارج، بل من هذه الأعماق التي كلما اقتربنا منها. اقتربنا من حقيقتنا.

فالرحلة الأصدق ليست تلك التي نقطعها في الأرض، بل التي نخوضها في أعماقنا.

زر الذهاب إلى الأعلى