أمل البحيري-جدة
في الثاني والعشرين من فبراير من كل عام، تحتفي المملكة العربية السعودية بذكرى يوم التأسيس، ذلك اليوم الذي يُجسِّد اللحظة التاريخية الفارقة في تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ (1727م) على يد الإمام محمد بن سعود، ليصبح منعطفًا تاريخيًّا يُذكِّر الأجيال بصفحات التضحية والوحدة التي سطرها الأسلاف لبناء كيان وطني مترسخ في عمق الجزيرة العربية.
بداية رحلة التأسيس
لم تكن الدولة السعودية الأولى مجرد كيان سياسي عابر، بل كانت حجر الأساس لبناء أمة اتخذت من القرآن الكريم دستورًا، ومن العدل منهجًا. ففي عام 1727م، أعلن الإمام محمد بن سعود تأسيس الدولة من الدرعية، التي تحولت من مدينة صغيرة إلى عاصمة لدولة ناشئة تبني مشروعًا حضاريًّا قائمًا على الأمن والاستقرار، بعد عقود من التشرذم القبلي. وقد نجح الإمام في توحيد معظم مناطق نجد تحت مظلة حكم واحد، معتمدًا على تحالفات استراتيجية ورسالة واضحة: نشر الاستقرار وتحقيق العدل.
لماذا نحتفل بيوم التأسيس؟
إن ذكرى التأسيس ليست مجرد استعادة للماضي، بل هي تأكيد على استمرارية المشروع الوطني الذي بدأ قبل ثلاثة قرون. فمن خلال هذا اليوم، تُبرز السعودية عمقها التاريخي الذي يتجاوز عمر الدولة الحديثة (المؤسسة عام 1932م)، ليثبت أن جذورها الضاربة في التاريخ هي سر صمودها أمام التحديات. كما أن الاحتفاء بهذا اليوم يُعزز الانتماء الوطني لدى الشباب، ويُحيي قيم التضحية والعمل الجماعي التي كانت أساس بناء الدولة.
الاحتفالات في يوم التأسيس
تحرص المملكة على جعل يوم التأسيس مناسبة ثقافية تتناغم مع رؤية 2030، التي تُولي التراث الوطني اهتمامًا كبيرًا. فتنظم الفعاليات التي تجسد تاريخ التأسيس عبر:
العروض التراثية مثل رقصات العرضة السعودية، ومسرحيات تجسد معارك التوحيد.
المتاحف المتنقلة التي تعرض وثائق تاريخية عن مسيرة الدولة السعودية منذ تأسيسها.
الندوات العلمية التي يناقش فيها المؤرخون دور التأسيس في تشكيل الهوية السعودية.
تُزيَّن الشوارع بالأعلام الخضراء والرموز التاريخية، كشعار “رجل التأسيس” الذي يُجسِّد صورة الإمام محمد بن سعود.
دور الشباب في الحفاظ على إرث التأسيس
يشكل الشباب السعودي اليوم حجر الزاوية في الحفاظ على إرث التأسيس، من خلال:
التفاعل مع المبادرات الثقافية التي تُعرف بالأحداث التاريخية عبر منصات التواصل الاجتماعي.
المشاركة في الأعمال التطوعية خلال الفعاليات، كتنظيم المعارض أو إرشاد الزوار.
الإبداع في تقديم التاريخ بأدوات عصرية، مثل إنتاج أفلام وثائقية قصيرة أو إنفوجرافيك يلخص مراحل التأسيس.
ختاماً، يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى، بل هو رسالة تُذكِّر بأن الدول العظيمة تُبنى بالإرادة والعمل الجاد. فكما وحد الأجداد الصفوف تحت راية واحدة، يأتي اليوم دور الأبناء ليواصلوا المسيرة نحو مستقبل يُحافظ على المكاسب، ويُعزز مكانة السعودية كدولة رائدة تحترم ماضيها دون أن تتوقف عن تحديث حاضرها.