أخر الأخبار

عندما تزلزت الجدران.. ناجون يروون وقائع حصار مستشفى في السودان

قبل أن يتردد صدى طلقات بعيدة أول الأمر سرعان ما اقتربت، وقبل أن يدوّي صوت المدفعية أقرب فأقرب، وقبل أن ترتج حيطان المبنى ويتطاير زجاج نوافذه على رؤوس من فيه، ويهرع المرضى على الأقدام محاولين النجاة بأنفسهم، بدا السبت يوما عاديا جدا في مستشفى “سلمى” لعلاج الكلى في الخرطوم. ولم يتوقع أحد أن يتحول المركز الطبي الهادئ إلى ساحة حرب، تحاصرها الدبابات والمدافع، وتحوم في سمائها الطائرات والقذائف.

توفي مريض وأصيب مرضى آخرون، بينهم طفل، في الاشتباكات حول المتشفى وداخلها.

مشاهد رعب لم يكن يتخيل الصحفي السوداني، ضياء السيد، أن يشهدها في المستشفى الذي ذهب إليه، السبت، لإجراء كشف طبي دوري، دأب  على إجرائه منذ عملية زراعة كلى خضع لها في المستشفى ذاته، في فبراير.

من داخل مستشفى سلمى، يقول الطبيب محمد عبدالله  إن القوات المتحاربة حاصرت المركز الطبي، وحاول  الاطباء ومساعدوهم إبعاد المرضى سريعا عن النوافذ لحمياتهم من الزجاج المتطاير، لكن القصف كان كثيفا.

وتحدث عبدالله عن مأساة الذين أجروا عمليات خطيرة قبل يومين أو ثلاثة أيام فقط. هؤلاء لم يتمكنوا من الحركة سواء للهرب أو حتى للاحتماء من القذائف. وكان بعضها يتساقط على بعد مترين أو ثلاثة من غرف العناية المركزة.

خلال حديثنا، كان لا يزال الصحفي عالقا، مع الكادر الطبي وآخرين، في المستشفى. ومنذ مدى حوالي ٣٠ ساعة لم يتمكن من العودة إلى منزله، بسبب الاشتباكات التي لا تزال مستمرة.

في الساعة الثامنة والنصف من صباح السبت، وصل السيد إلى المستشفى. لا بوادر تبعث على القلق في محيط المبنى، رغم أنه يبعد حوالي ٤٠٠ متر عن مركز القيادة العامة للجيش السوداني، والتي يدور حولها القتال، وحوالي ١٠٠ متر عن مركز قيادة الدعم السريع.

“حرب حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى،” يصف الصحفي السوداني القتال الذي دار في محيط المستشفى في وسط العاصمة السودانية، الخرطوم.

في التاسعة صباحا، “فجأة ومن دون مقدمات، دوت الأسلحة الثقيلة، وانهمرت قذائف الدبابات والطيران، فيما كان مسلحون من طرفي النزاع يتخذون من مبنى المستشفى ساتر حماية، وتمركز بعضهم حول أسواره”.

“كان المركز الطبي في قلب عمليات إطلاق النار”، يقول الصحفي وهو لا يزال تحت تأثير الصدمة، كما يبدو.

وتجددت الاشتباكات، اليوم الأحد، في السودان، رغم اتفاق الجيش و”قوات الدعم السريع” على فتح مسارات آمنة للحالات الإنسانية العاجلة لمدة ثلاث ساعات كل يوم بدءا من الساعة الرابعة عصرا بالتوقيت المحلي.

“لكنها في الحقيقة لم تكن هدنة فعلية،” يقول الصحفي السوداني، “فلم يتوقف إطلاق النار إلا بشكل متقطع، كما أن السلطات لم تسمح بفتح الكباري والجسور لعبور السيارات، وبالتالي لم يتمكن أغلب العالقين من العودة إلى بيوتهم”.

وقرر بعض العالقين الخروج مشيا على الأقدام، بحسب ما قال السيد، ومعهم بعض المرضى الذين لم يتمكنوا من الحركة على نقالات، “رافعين أيدهم علامة على الاستسلام،” بحسب تعبيره.

ونُقل بعض العالقين، الأحد، إلى مستشفى “المودة”، ومنه إلى مستشفى “الخرطوم” لتلقي العناية الطبية، لكنهم لم يستطيعوا إخلاء جثة المتوفى، وتركوها داخل المستشفى بعد إبلاغ الإسعاف.

واندلع النزاع المسلح، السبت، وسط حالة انسداد سياسي يشدها السودان جراء خلافات بين قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بشأن دمج قوات الأخير في الجيش.

كان المستشفى غاصا بالمرضى، بعضهم حضر لإجراء عملية وآخرون لغسيل الكلى، لكن القتال أدى إلى توقف العمل تماما في المعامل وأجهزة الغسيل الكلوي وغرف العمليات، يقول الطبيب.

ووافقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، الأحد، على مقترح الأمم المتحدة بفتح مسارات آمنة للحالات الإنسانية لمدة لم تتجاوز ٤ ساعات.

وقال الطبيب عبدالله إن السودان يواجه أزمة إنسانية وطبية كبيرة، تتمثل بنقص الأدوية والغذاء والغاز اللازم لتشغيل المولدات.

ودعا إلى نقل الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى خارج وسط العاصمة، حتى لا تضيع أرواح مزيد من المدنيين الأبرياء.

وحذر أطباء من أن استمرار الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع “سيدخل البلاد في كارثة إنسانية وطبية كبيرة”، في ظل النقص الكبير للأدوية والمعدات الذي تعاني منه المستشفيات.

وأدى القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى إجهاد المستشفيات السودانية باستقبال مئات الجرحى لتقترب من نقطة الانهيار، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”، التي أوضحت أن الأطباء المرهقون ينامون على الأرضيات بين عمليات بتر الأطراف، فيما يحاولون حل أزمة نقص إمدادات الدم والأدوية.

وأعلنت نقابة الأطباء السودانية سقوط 5 قتلى مدنيين و78 جريحا، في اشتباكات الأحد.

وعن حصيلة الضحايا من المدنيين، كشف تقرير ميداني، الأحد، أن الحصيلة بلغت 63 قتيلا مدنيا، فيما بلغ عدد الإصابات 594 إصابة منها حالات حرجة.

وبلغت حصيلة الوفيات في العاصمة الخرطوم 16 قتيلا و 302 إصابة منها 13 حالة حرجة، فيما حصيلة القتلى في بحري 7 وفيات و 86 إصابة، أما في أم درمان فقتل 4 أشخاص وأصيب 42 شخصا.

وخاطبت نقابة الأطباء السودانية المنظمات الدولية بما فيها منظمة الصحة والصليب الأحمر للمساعدة في توفير المعدات والأدوية والغاز اللازم لتشغيل المولدات، لأن المستشفيات تعاني نقصا كبيرا، وفق الطبيب عبدالله، الذي أشار إلى أنه في حال استمر القتال لأيام متواصلة فإن مخزون المستشفيات سينفذ ما يهدد بكارثة إنسانية.

“في لحظة واحدة”، يروي الصحفي ضياء السيد، “تحول واحد من أفضل مستشفيات أمراض الكلى في السودان إلى مكان رعب ضاجٍ بأصوات القذائف والرصاص التي اختلطت بنداءات الاستغاثة وصراخ الأطفال،” بينما يحاول “الطاقم الطبي إنقاذ ما يمكن، أو من يمكن إنقاذه، ناسين أو متناسين عن قصد أن حياتهم هم أيضا، في خطر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى