بقلم : د. أحمد بن محمد الدخيل
مستشار تطوير برامج طب رياضي
استشاري علاج طبيعي – طب رياضي
غادرنا قبل أيام القمر الأزرق وهو الذي يُربط ظهوره عادة بإقامة الأولمبياد في نفس تلك السنة ويقدر الفلكيون ظهوره مرة أخرى بعام ٢٠٢٤م وهو نفس العام الذي سوف تقام به أولمبياد “باريس ٢٠٢٤”. وكما شهدت طوكيو ٢٠٢٠ بزوغ عدد من نجومنا الأولمبيين الشباب الذين كنا نتابعهم بكل حماس قبل شروق الشمس، فإن الطموح لتقلد العديد من الميداليات ورفع الكؤوس ﻻ يزال مطلب جميع السعوديين قيادة وشعباً، كيف ﻻ! والقطاع الرياضي يشهد إشرافاً من دون كلل من قِبل سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان وبمتابعة دقيقة من سمو وزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، إذ يُعد تحقيق التميز في عدد من الرياضات أحد مستهدفات رؤية المملكة ٢٠٣٠.
إذن ما الذي تحتاجه رياضتنا لسطوع ضوئها في المحافل الرياضية؟
بداية، سوف يتمحور حديثنا اليوم على تطوير آداء الرياضي كونه الأساس في المنظومة الرياضة وسوف يكون لي حديث عن تطوير المنشآت وخلافه في حديث آخر، وكما للقمر مساراً يمشي به ويتنقل بين أطواره قبل أن يصبح بدراً فإن مسار الرياضيين الأولمبيين ينطبق عليهم نفس المبدأ، إذ قد يصل مسار صقل الموهبة إلى ٨ سنوات. وهذا الإعداد ﻻ يعد بالأمر الهين ناهيك عن الحجم الجغرافي الكبير للمملكة مما قد يُصعّب من عملية التواصل بين الأطراف ذوي العلاقة بالقطاع الرياضي. لذلك، فإن إنشاء إدارة للطب رياضي شاملة على المستوى الوطني معنية بمتابعة الحالة الصحية والآداء الرياضي للرياضيين الأولمبيين ورياضيي النخبة بالاتحادات والأندية من قِبل مختصين من أبناء الوطن الشغوفين، سوف يُسهم بتحقيق هذا المستهدف الطموح كونها سوف تقوم بربط جميع رياضيي النخبة ضمن مجموعة واحدة.
إن تواجد إدارة طب رياضي بالاتحادات والأندية الرياضية متصلة بإدارة مركزية مختصة وفاعلة ذات رؤية طويلة الأمد لا تتأثر بتغيّر إدارات مجالس الاتحادات والأندية الرياضية كل دورة أولمبية وبإشراف من وزارة الرياضة واللجنة الأولمبية العربية السعودية أصبح ضرورة مُلحّة في الوقت الراهن لمواكبة التطور المتسارع الذي تشهده بروتوكولات الوقاية من الإصابات والأمراض الرياضية وبرامج تطوير آداء الرياضيين كونها سوف تساعد المختصين من ذوي العلاقة على متابعة رياضيي النخبة في جميع الألعاب خلال تواجدهم بالأندية أو مشاركتهم مع منتخباتهم الوطنية أو حتى خلال البعثات الأولمبية بصورة دقيقة وسهلة وإنشاء التقرير والبحوث بناء على مؤشرات بدنية وحيوية مختاره بدقة لكل الرياضيين على المستوى الوطني.
وكما لا يخفى على الجميع إن وجود إدارة مركزية للطب الرياضي على المستوى الوطني سوف يرفع من جودة الحياة لدى رياضيي النخبة تحديداً وأبناء المجتمع السعودي الذي يشهد اهتماماً بممارسة الرياضة بصورة عامة كونها سوف تُسهم بنشر أفضل الممارسات التدريبية والبرامج الوقائية لجميع الرياضيين بغض النظر عن درجة النادي الذي ينتمون له كرياضيين محترفين أو مستوى المنافسة بالنسبة للرياضيين الهواة. علاوة على أن بعض الفرق الرياضية ليس بإمكانها توفير طاقم طب رياضي متكامل لديها لنشر أو تقديم أفضل خدمة ممكنة لرياضييها المنتسبين وبالتالي، يتم الرجوع لتلك الإدارة لطلب المشورة لتعويض أي نقص يحتاجونه. ويتكون فريق الطب الرياضي عادة من الأطباء، أخصائيو العلاج الطبيعي والتغذوي، علماء علوم الرياضة من المعدين البدنيين ومحللي الميكانيكا الحيوية وعلم النفس الرياضي وفسيولوجيا الجهد البدني، وغيره. وعلى سبيل التوضيح، فإنه المختصين بمجال الطب الرياضي يوصون بالتواجد في بلد البطولة بما يتناسب مع الرياضيين مع تعديل ساعات النوم قبل السفر عند عزم فريق رياضي إقامة معسكر في مدينة أوروبية ثم الذهاب به للمنافسة ببطولة آسيوية ذات فارق توقيت زمني أكثر من 5 ساعات قبل أيام من البطولة لما يصاحبه ذلك من إجهاد سفر وفقد تركيز بسبب إعادة ضبط إيقاع الساعة البيولوجية للجسم أو عند السفر إلى دولة قبل أقل من ٥ أيام للمنافسة على كأس في مبارة تبدأ الساعة ١١ ليلاً بتوقيت السعودية (والذي يعتبر موعد النوم المعتاد للاعبين محترفين)، كل تلك التوصيات سوف تسهم بتحقيق الأهداف المرجوة وما صاحبها من بذل للوقت والجهد والمال.
وفي نهاية الحديث، إن العوامل الإيجابية التي يشهدها القطاع الرياضي كتحول هيئة الرياضة إلى وزارة وما شهدناه من إطلاق برامج نوعية لمؤشر إيجابي نحو التوجه إلى المسار الصحيح لتوحيد جهود العديد من الكيانات بالقطاع والمبادرة في إنشاء إدارة للطب الرياضي بأيدي أبناء الوطن تُعنى بالآداء العالي بها قاعدة بيانات موحدة للرياضيين تحتوي على فحوصاتهم الطبية وقدراتهم الجسدية من كلا الجنسين بهدف تطوير آدائهم الرياضي لسوف يُسهم بإذن الله في تطوير رياضتنا السعودية.