إعداد/
انفال محمد السيف رغد محمد الحربي
بدور القحطاني لمى خالد العمري
إشراف /
أ.فردوس فلاته
يتميز مجتمعنا السعودي عموماً وشبابه خصوصاً بالحرص على العمل التطوعي بشتى صوره ومجالاته، والمساهمة في معالجة الأزمات التي قد تطرأ على المجتمع، وكذلك مساندة الفِرَق التطوعية الفاعلة للمؤسسات الحكومية في مواسم الحج والعمرة، إلى جانب مشاركة المتطوعين في تنظيم وإدارة مختلف الفعاليات كالمؤتمرات ومعارض الكتب وغيرها.
بالتأكيد المتطوع لا يبحث عن الماديات؛ ولكنه يتفانى ويبذل من جهده ووقته، إيماناً بمسئولياته تجاه وطنه ومجتمعه؛ ولكن ذلك لا يمنع من حصوله على بعض الحوافز والتكريم الذي يكون دافعا ومعينا له للاستمرار في العمل التطوعي، ومن واجب المجتمع أن يساند المتطوع، ويسعى إلى توفير الحوافز والامتيازات له، لتستمر ثقافة التطوع في المجتمع لحاجتنا إليها.
ولكن من خلال مشاهدة الواقع لاحظنا أن هناك استغلالاً للمتطوعين من بعض الجهات؛ يظهر ذلك من خلال استثمار عطائهم وجهودهم وأعمالهم المجانية في فعاليات ذات مردود ومكاسب رِبْحِيَّة للمنظمين؛ أيضاً الضغط عليهم بساعات عمل طويلة وفي ظروف غير صحية؛ مما يهدد العمل التطوعي، ويعرضه لتحديات كثيره. هذه التحديات دفعتنا إلى إجراء تحقيق يتناول هذا الموضوع.
طبيعة العمل التطوعي
ذكرت وعد الحربي موظفة بقسم العلاقات العامة لجمعية بنيان الخيرية أن طبيعة الأعمال التي يقوم بها المتطوعون تكون وفقاً للفرصة التطوعية المناسبة من المنشأة، فالجهة لديها أكثر من فرصة تطوعية لكن ليست جميع الفرص تجد إقبالاً من المتطوعين مثل العمل الإداري والعمل المكتبي، إذ لا يفضلون العمل في نطاق الإدارة أو المكتب، في حين تجذبهم الفرص الميدانية التطوعية كفرز التبرعات وتوزيعها، وتختلف طبيعة العمل باختلاف طبيعة المنشأة، مثلاً جمعية بنيان الخيرية تتميز أن لديها جانبين من التطوع ميداني ومكتبي.
فيما ذكر صالح أحمد متطوع 21 سنة أنه يفضل الانضمام إلى الأعمال التطوعية التي تكون في المجال الترفيهي أو الإعلامي الميداني.
فرص تطوعية واضحة
ذكرت الحربي أن جميع الجهات الموثوقة ومنها جمعية بنيان الخيرية تحرص كل الحرص على نشر الفرص التطوعية بجميع تفاصيلها، بمعنى أن يكون العمل المطلوب من المتطوع مكتوباً وموضحاً بشكل كامل من حيث طبيعة الفرصة والمهام والمسؤوليات المتعلقة بالمتطوع، والمهارات المطلوبة لإتمام الفرصة، وتحديد الإطار الزمني للفرصة، وإيضاح الفوائد التي تعود على المتطوع مثل الشهادة، وتوضيح المخاطر التي قد يتعرض لها المتطوع، كما ذكرت أنه يوجد لديهم سجل بأسماء المتطوعين يوضح عدد الساعات والأيام التي تطوعوا بها، والبرامج التي تمت المشاركة بها، ومكان التطوع.
وقد أوضح المتطوع صالح أن مصادر حصوله على أخبار ومعلومات الفرص التطوعية تكون إما عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي مثل التوتير أو مجموعات الواتس اب والتيلقرام، ولا يوضح لنا أي معلومات عما إذا كانت الجمعية التي عملت لديها مسجلة في وزارة العمل والتنمية البشرية، أي موثوقة أم لا.
فيما أشارت مشاعل القحطاني مشرفه فريق الندائية التطوعي ومستشارة في الأعمال التطوعية في مبادرة تلبيه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده التنموية لرؤية ٢٠٣٠ أن غالبية المؤسسات والجهات التطوعية الموثوقة لا تنشر إعلانا كافيا توضح فيه طبيعة أنشطتها وأهدافها.
أنظمة وشروط محددة:
أفادت الحربي أن هناك أنظمة ولوائح واضحة للتطوع وإدارة المتطوعين في الجهة، كما أن المسؤول عن المتطوعين (مشرف المتطوعين المباشر) يضمن حق المتطوعين، أما بالنسبة للشروط الواجب توفرها في المتطوعين فهي غير ثابتة بل مختلفة باختلاف العمل التطوعي، ولكن الشرط الأساسي هو حسن الخلق.
وفي حين أفادت الحربي بذلك، قال المتطوع صالح أحمد لقد بدأت في العمل التطوعي من عمر 17 سنة، ولقد رأيت الكثير من الشروط والتحيز في اختيار المتطوعين مما لا علاقة لها بسير العمل التطوعي مثل شكل ولون المتطوع، كما تتضمن بعض عقود العمل التطوعي شرط التزام المتطوع بعدد الساعات دون أن يوضح عدد الساعات حيث تتراوح عادة بين 7 إلى 10 ساعات مما قد يسبب الإجهاد لبعض المتطوعين خاصة إذا كان العمل ميدانيا.
كما أشارت مشاعل القحطاني أن من أهم معوقات سير العمل التطوعي إهمال المتطوع للقيام بالمسئوليات المكلف بها وفق الشروط المطلوبة.
الحد الفاصل بين الأعمال الربحية والأعمال التطوعية
قالت الحربي بلغة شديدة اللهجة إن كان المتطوع يستلم مكافأة مادية جراء عمله فهذا لا يعتبر حينها عملاً تطوعياً أو عقداً تطوعياً، بل يسمى (عقد تعاوني)، فمن حق المتطوع أن يمنح شهادة أو أن نقدم له أشياء تعينه على العمل مثل: الوجبات والمواصلات، ولكن لا يستلم مكافآت مادية جراء عمله التطوعي، ولكن إن كان المسؤول معجباً بأداء المتطوع وأعطاه مبلغاً مادياً دون أن يشترط عليه قبل بدء العمل، فهذا لا خلاف عليه ولا يخرجه عن دائرة العمل التطوعي.
قال صالح أحمد لقد وعدت بتسلم شهادات ومكافآت مادية، ولم استلمها حتى الآن حتى إنني نسيت ما هي الجهات التي عملت لها، فالكثير من الشركات كانت تعدنا بأمور معينة طبعا تلك الشركات ربحية ولم أكن على دراية بذلك، وعندما لا يحدث أي مما يُقال لنا، يحاولون إرضاءنا بشهادات معتمدة، لقد تم استغلال جهودنا، أفكارنا، وطاقاتنا تحت مسمى تطوع، مما يثير غضبي حقاً فبما أنها شركة ربحية فسيكون لها مدخول ربحي عالي، فلم لا تعطي مبلغا بسيطا لنا مقابل جهودنا ووقتنا، أشعر بالأسى أنه لا يوجد جهة معينة أتوجه إليها لتقديم شكواي.
تقول مشاعل القحطاني إن المشكلة تكمن في جهل المتطوعين بماهية العمل التطوعي والتفريق بين العقود التطوعية والعقود الربحية
مدى وعي وإقبال المتطوعين
تقول الحربي نلاحظ إقبالاً كبيرا من الشباب على العمل التطوعي حيث وصل عدد المتطوعين في جمعية بنيان لوحدها عام 2019 ألف وست مئة متطوع، ونتوقع أن ترتفع أعداد المتطوعين عند نهاية2020 للضعف، كما يسرنا وجود وعي بين المتطوعين حالياً عكس السابق؛ فالمتطوعون الآن يدركون واجباتهم وحقوقهم. يقول صالح أحمد بصراحة لقد توقفت عن العمل التطوعي ليس لأنني منشغل بالدراسة فقط بل لأن الدوافع التي كانت تؤثر على رغبتي في العمل التطوعي، من دافع معنوي ودافع تعليمي، ورغبة في المزيد من الخبرات، والعمل تحت الضغط قد تغيرت الآن؛ فنظرتي للعمل التطوعي مشوهة الآن، وأرى فيها الكثير من الاستغلال، لقد تطوعت وشاركت في التنظيم، لأكتشف في آخر الأمر أنها شركة ربحية، وتأخذ مالا مقابل الأعمال والتنظيم، كما أنها ليست تحت مظلة جهة رسمية كما كانت تدعي. تقول مشاعل القحطاني يعتقد الكثيرون أن العمل التطوعي مضيعة للوقت والجهد، ولكن هو في الواقع نشاط مثير للإعجاب، وسمة من سمات الطبيعة البشرية في العطاء والخير، ومشاركة عاطفية لتلامس آلام غيرنا كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، لكن بالنظر من زاوية أخرى للعمل التطوعي بالنسبة للمتطوع هو سد فجوة في حياته الشخصية، وفرصة جميلة للنمو الشخصي والفكري، وتزايد الثقة بالنفس والتعامل مع كل جديد. معاملة المؤسسات للمتطوعين يقول صالح أحمد غالباً ما نشعر بأن المسؤولين يقدرون عملنا ولكن أحياناً يحدث سوء معاملة من بعض المسؤولين اتجاهنا، كما يرفض بعضهم التحدث أو التعامل معنا عندما نطالب أو نسأل عن حقوقنا بعد انتهاء العمل التطوعي، وإن لم تحدث مشاكل فهم غالباً يتواصلون معنا لاطلاعنا على أعمال تطوعية أخرى للانضمام لها. تقول مشاعل القحطاني بصراحة نلحظ أن كثيرا من جهود المتطوعين لا تلقى التقدير المناسب الذي يحفزهم على الاستمرار في العمل كما نلحظ غياب المؤسسات عن تدريب المتطوعين.
ما مدى اهتمام الوطن بالتطوع؟
لقد أولت المملكة العربية السعودية عموماً، ورؤية 2030 خصوصاً، اهتماما كبيراً بالمتطوعين حيث تطمح بشكل حثيث إلى أن تُدخل عددا لا حصر له من التطويرات في مجال العمل التطوعي، وقد وضعت خطة من أجل زيادة عدد المتطوعين من 11 ألف فقط في الوقت الحالي، إلى ما يقارب مليون متطوع مع حلول عام 2030م، وهذا بالطبع يعكس مدى اهتمام حكومة المملكة بالمواطن بكافة احتياجاته باعتباره الركيزة الأساسية في تنمية أي مُجتمع.
أصدر مجلس الوزراء السعودي نظام العمل التطوعي بتاريخ27/5/1441 ه يعرف المتطوعين والمؤسسات التطوعية على حقوقهم التي كفلها لهم النظام وواجباتهم التي أوجبها النظام عليهم. ويحتفي العالم في الخامس من شهر ديسمبر سنويا ب«التطوع»، بعد أن حددت الأمم المتحدة هذا اليوم منذ عام 1985، لهدفين أساسيين يتمثلان في زيادة وعي الجمهور حول مساهمتهم في المجتمع بالتطوع، وشكر المتطوعين على مجهوداتهم، ومن هذا الصدد تحركت وزارة التعليم بدورها لتصدر تعميم بتاريخ 9/4/1442 ه لتفعيل اليوم العالمي للتطوع الذي يوافق 20 ربيع الآخر من هذا العام، حرصاً منها على ضرورة توعية الطلاب والطالبات بأهمية العمل التطوعي وتنمية قيمة المسؤولية الاجتماعية لديهم، وتجنيبهم حالات الاستغلال التي قد يتعرضون لها جراء جهلهم بالعمل التطوعي.
كما لخصت الجمعية السعودية للعمل التطوعي (تكاتف) الشروط إلى يجب توفرها في المتطوعين في نقاط، وهي أن لا يقل عمر المتطوّع عن 18 عاماً، وأن يحمل بطاقة الأحوال الشخصية /الجواز والإقامة النظامية سارية المفعول، ولديه الرغبة في تقديم أي خدمة تطوّعية (مهارة شخصية، معرفة، علم، قدرة بدنية) من خلال ساعات تطوع تهدف إلى تنمية مجتمعنا الغالي، وتكاتف أفراده في الفرص التطوعية التي يتم طرحها بإذن الله، وتوقيع ميثاق التطوع في حال ربط بيانات المتطوع مع أي جهة بحاجة إلى متطوعين، وتزويد الجمعية بتقييم للجهة التي تطوع لديها بناء على فترة التطوع.
كيف نستعيد ثقة المتطوع ونحميه من الاستغلال؟
وأخيراً نلاحظ أنه في السنوات الأخيرة خرجت جهات قوية ورسمية تهتم بالعمل التطوعي، كما سنت قوانين صارمة تحمي المتطوعين وأصحاب المؤسسات التطوعية، ويؤسفني أن أقول إن جزء كبيراً من أسباب استغلال المتطوعين هم المتطوعون أنفسهم؛ فجهل المتطوعين ورغبتهم الجامحة في العمل التطوعي، أو بسبب إلزام بعض الجامعات والمدارس الطلاب بساعات تطوعية، كل هذا ساعد بعض الجهات الربحية على العمل في الخفاء وجعل مصطلح التطوع شعارها من أجل تحقيق مبتغاها وأطماعها الربحية على حساب المتطوعين والمتطوعات دون تقديم أدنى صور الشكر والعرفان لهم.
ولاستعادة الثقة في العمل التطوعي وتحسين صورة التطوع عند بعض المتطوعين الذين تعرضوا للاستغلال، على المتطوعين العمل في جهات رسمية، والاطلاع على أخبار وإعلانات الأعمال التطوعية من المواقع الرسمية الموثوقة، لا من مجموعات السوشيال ميديا التي تخفي هوية الأشخاص والجهات التي ينتمون إليها، لضمان حقوق المتطوع سواء خيرية أو تنظيمية تطوعية، بمقابل أو بدون مقابل، وعلى المتطوع أن يكون حريصا على طلب ميثاق التطوع لهذا العمل، كما أن على المسئولين التصدي لكل من يستغل العمل التطوعي أفرادا أو منظمات، وإيقافهم عند حدهم. بذلك ستحمي حقوقك كمتطوع، وسوف تعود الثقة تدريجياً في الأعمال التطوعية، ويعود المجتمع إلى ما تعود عليه مطبقا لمعتقداتنا ومبادئنا بالتكاتف والتعاون فيما بيننا.