كتاب الرأي

الخطاب القرآني والعقل

من حين بزغ نور الإسلام، وصدع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بالحق والقرآن يدعو إلى إطلاق العقل في فضاء المعرفة، ونزع قيود الخرافة، وخزعبلات الجهلة؛ بل إن الخطاب القرآني موجه لأهل العقول يدعوهم فيه إلى طرق باب العلم في سبيل الوصول لفكرٍ ناقدٍ يُوصل للحقيقة
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )
والعلم هو الذي يُحفز المنطق، والعقل ويجعله طريقًا يُوصل للإيمان بالغيب

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )

وَنَبَذَ الخطاب القرآني الفكر الآحادي الذي وقعت في شراكه الكنيسة في قرون أوروبا الماضية، وأحرجها أمام الحقائق العلمية الدامغة؛ أما الخطاب القرآني؛ فمنسجم مع العقل، وتركيبة النفس الإنسانية؛ بل إن الخطاب القرآني يُعطى المساحة للأسئلة ولا يخشى البعد المادي للعلم كما يعتقد البعض
{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)

ونرى كيف ناقش القرآن قضايا الأمة الكبرى بمبدأ المنطق وكيف أنَّها لا تقوم على الأكثرية المطلقة كما هي ديمقراطية الغرب التي قد تأخذ بالسماح بما ينافي الفطرة، والدين، والعادات إذا صُوِت له بالإجماع أو بالأغلبية؛ أما الإسلام فجعل القرار لأهل الحل، والعقد، والفكر، والعلم لا إلى الكثرة، والتبعية العمياء
التي قد يكون إجماعها على خطأ
( وَإن تطعْ أكثر مَنْ فِي الأرض يُضلوك عن سبيل الله )

‏وامتدح القرآن القلة؛ مقابل ذم الكثرة وكأنَّ القلة هي المناطة بالعقل، والتفكر، والبعد عن سلوك القطيع
‏(ثُمَّ تولَّيتُم إلَّا قَليلًا مِنكُم وَأنتُم مُعْرِضُون)

ويعود القرآن إلى إحكام العقل وليس إلى التبعية العمياء في جانب مستجدات الحياة، وتطور فكر المجتمع، والإنصاف للحق لا إلى الموروث ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ )
ودعا الخطاب القرآني إلى الأخلاق الفاضلة، والقيم النبيلة التي يُؤيدها العقل، والمنطق، وتدعو لها الفطرة السليمة

( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )

أما في الأحكام الشرعية؛ فيغلب على الخطاب القرآني مبدأ التسليم أكثر من المنطق؛ لأن ترك الأحكام للمنطق مطلقًا مع وجود الرغبات، ونزعات النفس، ونزغات الشيطان لدى ابن آدم تحجب عنه الصواب وتجعل أفقه ضيقًا يدور في فلك رغباته
( ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

وفي الجانب الروحي وجه الخطاب القرآني الإنسان إلى خالقه ورازقه بحيث ينتقل من عبودية الهوان إلى عبودية العز وهذا عين العقل، والفطرة
(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )

بل إن الحديث عن روح الإنسان حديثًا يناسب عظمة هذه الروح؛ فهي ليست مادة يتعامل معها العقل؛ بل سر من أسرار الكون لا يعلم ماهيتها إلا الذي خلقها، وأودع بها سر خلقه
( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)

ومن الطبيعي أن ينسجم العقل مع الخطاب القرآني لأن من أنزل القرآن هو من خلق العقل وهو أعلم بطبيعة هذه النفس التي خلقها متكاملة روحًا،وعقلًا

يقول الروائي الروسي ليو تولستوي: “إن شريعة محمد ستسود العالم لا نسجامها مع العق، والحكمة”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى