هل كل مشهور يستحق المنصّة؟ بقلم روزان المطيري

في زمنٍ صارت فيه المنصّات مفتوحة على مصراعيها، لم يعد السؤال: كيف تصل للشهرة؟ بل أصبح: هل كل من وصل يستحق أن يُسمَع؟

الشهرة اليوم لم تعد مرادفًا للقيمة، ولا دليلًا على الوعي، ومع ذلك صارت كافية لمنح صاحبها منبرًا وتأثيرًا يتجاوز أحيانًا تأثير المثقف والمفكر وصاحب التجربة الحقيقية.

المنصّة ليست مجرد مساحة عرض، بل مسؤولية.

حين نمنحها لشخص، فنحن نمنحه قدرة على تشكيل الرأي، وتطبيع السلوك، وإعادة تعريف المقبول والمرفوض. المشكلة ليست في المشهور بحد ذاته، بل في غياب المعيار: لماذا هذا حاضر؟ ولماذا ذاك غائب؟

وهنا يبرز دور التنظيم لا المنع.

ففي المملكة العربية السعودية، قوانين الإعلام المرئي والمسموع فُرضت لضبط المحتوى وحماية جميع أفراد المجتمع، بوصفها إطارًا قانونيًا يحفظ القيم العامة ويمنع الإضرار بالنسيج الاجتماعي. هذه القوانين لا تقوم على التمييز، ولا تستهدف عِرقًا أو مذهبًا أو فئة بعينها، بل تنطلق من مبدأ شامل: حماية المجتمع بكل أطيافه من أي محتوى مسيء أو مخل أو محرض.

وجود هذه الضوابط يؤكد أن المنصّة ليست مساحة عبث، بل مجال منظم تحكمه مسؤولية أخلاقية وقانونية. فحرية التعبير لا تعني الفوضى، والانفتاح لا يعني التفلت من القيم، والاختلاف لا يبرر الإساءة.

بعض المشاهير وصلوا بالموهبة، أو بالعمل، أو بتجربة تستحق أن تُروى. وهؤلاء وجودهم طبيعي، بل ضروري. لكن الخلل حين تتحول الشهرة إلى نتيجة للضجيج، أو الاستفزاز، أو الإسفاف، ثم تُكافأ بمنصّة أوسع، وكأن الرسالة الضمنية تقول: كلما كنت أعلى صوتًا، كنت أحق بالظهور.

المنصّات لا تصنع الوعي وحدها، لكنها تساهم في توجيهه.

وعندما يُقدَّم التفاهة على أنها محتوى، والسطحية على أنها جرأة، يصبح المتلقي هو الخاسر الأكبر. الأخطر أن الأجيال الجديدة تبدأ بربط النجاح بعدد المتابعين لا بعمق الفكرة، وبالانتشار لا بالأثر.

ليس المطلوب إقصاء أحد، ولا فرض وصاية فكرية، لكن من حق المجتمع أن يسأل:

ما الذي يُقدَّم لنا؟ ولماذا؟ وعلى حساب من؟

المنصّة امتياز، وليست حقًا مكتسبًا لمجرد الشهرة.

ومن لا يملك ما يضيفه للوعي، أو للقيم، أو حتى للترفيه المسؤول، فالأجدر أن يبقى مشهورًا… بلا منبر.

زر الذهاب إلى الأعلى