دلال الودعاني
في لحظة واحدة، قد تتحول مؤسسة مستقرة إلى محور جدل واسع، بفعل خبر متداول أو مقطع مجتزأ أو رواية ناقصة. هنا لا يكون التحدي في وقوع الأزمة بقدر ما يكون في كيفية إدارتها. فالأزمات الإعلامية لم تعد استثناءً عابرًا، بل واقعًا متكررًا يضع القيادة أمام اختبار صعب: إما احتواء الموقف بحكمة، أو تركه يتضخم على حساب السمعة والثقة.
القيادة في الأزمات الإعلامية لا تُقاس بقوة النفوذ، بل بقدرة القائد على اتخاذ القرار في الوقت المناسب، والتواصل بصدق مع الجمهور، وإدارة المشهد بعيدًا عن الانفعال أو الإنكار. فالجمهور اليوم أكثر وعيًا، ووسائل الإعلام أكثر تأثيرًا، وأي خطأ في الرسالة قد يكلّف المؤسسة سنوات من العمل والإنجاز.
ويرى مختصون في الاتصال المؤسسي أن أول ما تحتاجه القيادة أثناء الأزمة هو الهدوء، لأن الارتباك ينعكس فورًا على الخطاب الإعلامي ويُفقده مصداقيته. يلي ذلك الشفافية في عرض الحقائق، دون تهوين أو تضليل، مع إدراك أن الاعتراف المدروس بالأخطاء أحيانًا يكون أقل ضررًا من إنكارها. كما أن سرعة الاستجابة باتت ضرورة ملحّة في عصر الإعلام الرقمي، حيث لا ينتظر الرأي العام طويلًا.
وتتجلى القيادة الفاعلة أيضًا في توحيد الرسائل الإعلامية، وتحديد متحدث رسمي، ومتابعة ما يُنشر في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بهدف تصحيح المعلومات المغلوطة واحتواء التفاعل الجماهيري. فالإعلام لم يعد ناقلًا محايدًا فحسب، بل عنصرًا فاعلًا في صناعة الرأي العام.
ولا تنتهي مهمة القيادة بانتهاء العاصفة الإعلامية، بل تبدأ مرحلة أكثر أهمية، تتمثل في التقييم واستخلاص الدروس وبناء استراتيجيات وقائية للمستقبل. فالأزمات، رغم قسوتها، قد تتحول إلى فرص لإعادة بناء الثقة وتعزيز الصورة الذهنية إذا أُديرت بوعي ومسؤولية.
ختامًا، تظل القيادة في الأزمات الإعلامية فنًا يتطلب الحكمة والشجاعة معًا؛ حكمة في قراءة المشهد، وشجاعة في اتخاذ القرار. وفي زمن تتسارع فيه المعلومة، يبقى القائد الواعي هو القادر على تحويل لحظات الضغط إلى نقاط قوة، وصناعة الثقة في أصعب الأوقات
