المملكة تنجح في فصل التوأم الجامايكي… إنجاز طبي وإنساني يتصدر الاهتمام الدولي

صالحه آل بيهان القحطاني

عملية دقيقة استغرقت خمس ساعات في مستشفى الملك عبدالله التخصصي للأطفال بقيادة فريق طبي سعودي متعدد التخصصات

شهدت العاصمة الرياض إنجازًا طبيًا وإنسانيًا جديدًا، تمثّل في نجاح فريق طبي سعودي في فصل التوأم الجامايكي عزاريا وأزورا إلسون في عملية معقّدة أُجريت في مستشفى الملك عبدالله التخصصي للأطفال بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية التابعة لوزارة الحرس الوطني، ضمن برنامج المملكة لفصل التوائم الملتصقة. 

وأعلنت الجهات الطبية المشرفة على البرنامج أن العملية، التي تُعد واحدة من أبرز العمليات التي استقبلها البرنامج خلال السنوات الأخيرة، استغرقت نحو خمس ساعات فقط، بعد أن كانت التقديرات الأولية تشير إلى إمكانية امتدادها إلى تسع ساعات، وذلك بفضل عدم مشاركة الأمعاء بين التوأمين ودقة التخطيط الجراحي. 

رحلة من جامايكا إلى الرياض بحثًا عن الأمل

وُلدت الطفلتان عزاريا وأزورا في جامايكا بحالة نادرة من الالتصاق تُعرف طبيًا باسم Omphalopagus، حيث كانتا تتشاركان في الجزء السفلي من الصدر والبطن والكبد، مع اشتباه في مشاركة بعض التراكيب المحيطة بالقلب والأمعاء، ما جعل حالتهما من الحالات المعقّدة التي يصعب التعامل معها في المراكز الطبية التقليدية. 

وبعد متابعة طبية في مستشفى جامايكي، تقرّر عرض حالتهما على البرنامج السعودي لفصل التوائم الملتصقة، الذي وافق على دراسة الحالة واستقبالهما ضمن مبادرة إنسانية شاملة. ووصلت الطفلتان إلى المملكة في 28 يوليو 2025، حيث خضعتا لسلسلة من الفحوصات الدقيقة والصور الإشعاعية والتقييمات المتخصّصة قبل اتخاذ القرار النهائي بإجراء الجراحة. 

تفاصيل الحالة الطبية والتحديات

أظهرت الفحوص الطبية أن التوأم يشتركان في الكبد والجزء السفلي من الصدر والبطن، بينما أظهرت الدراسات عدم وجود مشاركة في الأمعاء، وهو ما مثّل عاملًا إيجابيًا لصالح الفريق الجراحي وساهم في تقليص زمن العملية. غير أن التحدي الأبرز تمثّل في الحالة القلبية الحرجة للتوأم أزورا، حيث كانت تعاني من ضعف شديد في عضلة القلب، بقدرة ضخ تقدَّر بحوالي 20٪ فقط، ما رفع من مستوى خطورة التخدير والجراحة على حد سواء. 

هذا الوضع الطبي فرض على الفريق المعالِج اعتماد خطة دقيقة تقوم على الإسراع في مراحل الفصل، مع المحافظة على الاستقرار القلبي والدوري للتوأمين طوال فترة العملية.

في غرفة العمليات… ست مراحل دقيقة

أُجريت العملية في ست مراحل رئيسية، بمشاركة فريق سعودي متكامل ضمّ أكثر من 25 من الاستشاريين والأخصائيين وأطقم التمريض والفنيين في مجالات تخدير الأطفال، جراحة الأطفال، جراحة التجميل، العناية المركزة، والتخصصات المساندة. 

وشملت المراحل الطبية للعملية:
1. تثبيت حالة التوأمين تخديرًا ومراقبة المؤشرات الحيوية بدقة.
2. فتح منطقة الالتصاق في الجزء السفلي من الصدر والبطن.
3. فصل الكبد وإعادة توزيع الأوعية الدموية بما يضمن كفاية التروية لكل طفلة.
4. استكمال فصل الأنسجة المشتركة وإنهاء الارتباط بين التوأمين.
5. إعادة بناء جدار الصدر والبطن لكل طفلة على حدة.
6. نقل كل طفلة إلى سرير مستقل للمرة الأولى منذ الولادة، ثم إدخالهما إلى قسم العناية المركزة للأطفال لمتابعة ما بعد العملية.

وبحسب البيان الرسمي، تم تقليص زمن العملية إلى خمس ساعات بسبب عدم مشاركة الأمعاء، مع تسريع وتيرة العمل الجراحي مراعاةً للحالة الحرجة لقلب أزورا. 

إنجاز طبي وإنساني جديد للبرنامج السعودي

أوضح الدكتور عبدالله الربيعة، المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ورئيس الفريق الجراحي، أن عملية فصل التوأم الجامايكي تُعد العملية رقم 67 ضمن البرنامج السعودي لفصل التوائم الملتصقة، الذي عالج حتى الآن أكثر من 152 حالة توأم من 28 دولة حول العالم خلال مسيرة تجاوزت 35 عامًا، ما رسّخ مكانة المملكة كمرجع عالمي في هذا التخصص الدقيق. 

وأضاف أن هذا الإنجاز يعكس مستوى الكفاءات الطبية الوطنية، والدعم اللامحدود الذي يحظى به القطاع الصحي من قيادة المملكة، إلى جانب الدور الإنساني الذي تضطلع به السعودية باستقبال حالات معقّدة من دول مختلفة وتقديم الرعاية لها مجانًا. 

امتنان جامايكي ودولي

من جانبها، عبّرت أسرة التوأم عن شكرها العميق لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، وللحكومة والشعب السعودي، على ما حظيت به من رعاية طبية متكاملة وحفاوة استقبال منذ وصولها إلى المملكة وحتى نجاح العملية. كما وجّهت شكرًا خاصًا للفريق الطبي الذي لم يدّخر جهدًا في إنقاذ حياة طفلتيها. 

وتناقلت وسائل إعلام جامايكية وإقليمية ودولية الخبر بوصفه لحظة أمل قوية للتوأمين وعائلتهما، وواحدة من أبرز القصص الإنسانية التي توحّد القارات تحت عنوان الطب والرحمة، مؤكدة أن المملكة باتت “وجهة أمل” للحالات الطبية المعقّدة للأطفال حول العالم. 

متابعة طبية وتأهيل مستقبلي

وبعد نجاح عملية الفصل، تخضع عزاريا وأزورا حاليًا لمتابعة لصيقة في العناية المركزة، مع تقييم مستمر للمؤشرات الحيوية، خاصة ما يتعلّق بوظائف القلب والكبد والتنفس، وسط تفاؤل حذر بتحسّن تدريجي ومستقر. وتستعد الفرق المتخصّصة لوضع خطة تأهيل طبي ووظيفي تساعد الطفلتين على استكمال نموهما بصورة طبيعية قدر الإمكان خلال السنوات المقبلة. 

وفي الختام وبهذا الإنجاز، تضيف المملكة العربية السعودية صفحة جديدة إلى سجلها الطبي والإنساني، من خلال فصل التوأم الجامايكي عزاريا وأزورا في عملية معقّدة اختصرت المسافة بين الخطر والحياة، ورسّخت مفهوم أن الطب يمكن أن يكون جسرًا للأمل بين الشعوب، وأن الرياض أصبحت محطة عالمية لصناعة الفارق في أكثر الحالات دقةً وتعقيدًا

زر الذهاب إلى الأعلى