صالحه آل بيهان القحطاني
في إنجاز أثري يعكس العمق الحضاري للمملكة العربية السعودية، أعلنت هيئة التراث بالتعاون مع نيوم وفريق بحثي من جامعة كانازاوا اليابانية عن اكتشافات غير مسبوقة في موقع مصيون شمال غرب تبوك، تعود إلى العصر الحجري الحديث (ما قبل الفخار)، أي قبل أكثر من 11 ألف عام.
وقد نُشرت نتائج هذه الأبحاث في مجلة (Asian Journal of Paleopathology) العلمية المتخصصة، لتفتح آفاقًا جديدة لفهم بدايات الاستقرار البشري في الجزيرة العربية.
ممارسات جنائزية تكشف طقوس الماضي
كشفت الدراسة عن ثلاثة هياكل عظمية بشرية لرجال بالغين، وُجدوا داخل منزل مهجور في أوضاع منحنية ومغطاة بالصخور والتراب. وتشير الأدلة إلى أن عملية الدفن كانت أولية مع نية لإجراء دفن ثانوي، إضافةً إلى وجود دلائل على إزالة الأنسجة بعد الوفاة، وهو طقس جنائزي معروف في بعض الحضارات المبكرة.
وتبرز هذه النتائج أن شمال غرب الجزيرة العربية شهد ممارسات جنائزية مشابهة لتلك التي وُجدت في الهلال الخصيب، ما يعكس وجود تواصل ثقافي مبكر بين المنطقتين.
مكتشفات أثرية متنوعة
لم يقتصر الاكتشاف على الهياكل البشرية فقط، بل عُثر على شواهد أثرية غنية ومتنوعة، من أبرزها:
• أدوات حجرية مثل رؤوس سهام ومجموعة من الحجارة المشذبة.
• مطاحن حجرية لطحن النباتات والحبوب.
• بقايا مواد خام لصناعة الأدوات اليومية والزينة.
• أدوات زينة مصنوعة من الأصداف والفقاوع والأحجار.
• هياكل بشرية وحيوانية ساعدت على تحديد عمر الموقع.
• مشغولات حجرية مزخرفة تعكس جانبًا جماليًا وثقافيًا للحياة اليومية.
دلالات حضارية عميقة
يمثل هذا الاكتشاف شهادة على أن أرض المملكة كانت منذ أقدم العصور موطنًا للحياة وملتقى للحضارات. فهو يوضح كيف انتقل الإنسان في شمال غرب الجزيرة من حياة الصيد والترحال إلى بناء المستوطنات وممارسة الزراعة.
كما يعكس جهود المملكة، عبر هيئة التراث، في حماية مواقعها الأثرية ودعم البحوث العلمية بالتعاون مع شركاء دوليين، ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى إبراز العمق الحضاري للمملكة للعالم أجمع