زبيدة حمادنة
في قطاع قائم على الخدمة على مدار الساعة، تبدو فكرة منح موظفي الفنادق في الخطوط الأمامية يومي عطلة إضافيين ويومي عمل عن بُعد شهريًا أمرًا غير مألوف. والآن، يتحدى فندق في دبي هذا المعيار بتجربة جريئة يعتقد أنها قد تُغير طريقة احتفاظ القطاع بالمواهب، وتعزز رضا النزلاء، والحفاظ على القدرة التنافسية في مستقبل العمل.
تحدي نموذج عمره قرون
لطالما كانت الضيافة صناعة تعتمد على الجداول الصارمة. أنظمة المناوبات الطويلة وتوقعات العمل المستمر كانت السائدة لعقود، خاصة بالنسبة للفرق التي تتعامل مباشرة مع الضيوف
لطالما تميز قطاع الضيافة بجداول عمل صارمة. وكانت أنظمة الدوام، والنوبات الطويلة، وتوقعات “العمل الدائم” هي المعيار لعقود، وخاصةً للفرق التي تتعامل مع النزلاء مباشرةً. أما سياسات العمل الهجين، فعندما يتم اعتمادها، تكون مخصصة في الغالب للموظفين الإداريين أو من هم خلف الكواليس.
لكن في شهر أغسطس هذا، يقوم فندق راديسون ريد في واحة دبي للسيليكون بكسر القاعدة من خلال تجربة صحية تمتد لشهر، تمنح جميع المديرين والمشرفين – سواء في العمليات أو في الوظائف الإدارية يومي إجازة إضافيين ويومين للعمل من المنزل.
تُعد هذه الخطوة غير مسبوقة في قطاع الضيافة الإقليمي، ليس فقط لشموليتها، بل أيضًا لجرأتها التشغيلية. تقول نينا بيتريديس، المديرة العامة للفندق: “الضيافة عملٌ يعتمد على الأفراد. إذا أردنا أن يشعر ضيوفنا بالاهتمام، فيجب أن يشعر فريقنا بالاهتمام أولاً”.
المبرر التجاري للعافية
الأمر لا يتعلق فقط بالنوايا الحسنة، بل بالمنافسة في سوق عالي التحدي. إذ يشكل قطاع السياحة 12% من القوى العاملة في دبي، ومن المتوقع أن تصل مساهمة قطاع الضيافة في الناتج المحلي الإجمالي إلى ١٩٥مليار درهم في عام ٢٠٢٥. وبحلول عام ٢٠٣٠، من المقرر أن تضيف دبي ٢٠,٠٠٠غرفة فندقية في إطار مساعي دولة الإمارات العربية المتحدة لجذب ٤٠ مليون زائر سنويًا، مما سيرفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى ٤٥٠ مليار درهم إماراتي
ستتطلب تلبية هذا النمو ما بين ٣٠,٠٠٠ و٤٠,٠٠٠ موظف إضافي في غضون خمس سنوات، ومع ذلك تواجه المنطقة أزمة في المواهب. يقترب معدل دوران الموظفين من الثلث سنويًا، مدفوعًا بضعف الحافز، وضعف المزايا، وعدم التوازن بين العمل والحياة، وتأخر زيادات الرواتب، وفقًا لـ ٦٨% من أصحاب العمل.
تقول بيتريديس: ” الاحتفاظ بالأشخاص الموهوبين لم يعد مجرد تحدٍّ للموارد البشرية، بل أصبح ضرورةً للشركات. مبادرات الصحة ليست نفقة، بل استثمار في جودة الخدمة، والسمعة، والاحتفاظ بالموظفين”.
وتدعم البيانات هذا الرأي؛ إذ تشير مجلة “Corporate Wellness” إلى أن الموظفين الأصحاء يكلفون أقل من حيث تكاليف الرعاية الصحية ويأخذون أيام مرضية أقل. بينما يُظهر المنتدى الاقتصادي العالمي أن كل دولار يُستثمر في الصحة النفسية يحقق عائدًا قدره ٤ دولارات. وهو ما يُعد حجة قوية في منطقة تُعد فيها زيادة الإنتاجية أمرًا حاسمًا.
أدلة من جميع أنحاء العالم
تُظهر البيانات من الإمارات العربية المتحدة والأسواق العالمية أن المرونة المنظمة يُمكن أن تُحقق قيمة تجارية قابلة للقياس.
ففي القطاع الحكومي بإمارة الشارقة، أدى التحول إلى أسبوع عمل من أربعة أيام إلى رضا ٩٠% من الموظفين، وذكر ٨٦% أنهم أصبحوا أكثر إنتاجية، و٨٩.٩% لاحظوا تحسنًا في أدائهم الوظيفي.
على الصعيد الدولي، أجرت منظمة “4 Day Week Global” تجربةً تجريبيةً لتخفيض ساعات العمل في أكثر من ٢٠٠شركة في أيرلندا والولايات المتحدة وأوروبا وجنوب إفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا، محققةً نتائج إيجابيةً مستمرة، منها: صحة نفسية وجسدية أفضل، ورضا أكبر عن الحياة، وانخفاض في التوتر والإرهاق والتعب. وبعد عام، استمرت هذه المكاسب. والجدير بالذكر أن ١٠% إلى ١٥% صرحوا بأنه لا يوجد مبلغ مالي قد يجعلهم يعودون إلى نظام العمل لمدة خمسة أيام. كما شهد القادة زيادةً في
معدلات الاحتفاظ بالموظفين، وتحسنًا في التوظيف، وانخفاضًا في الإجازات المرضية، وفي بعض الحالات، مكاسب في الإيرادات، حيث قيّموا التجربة بمتوسط ٩من ١٠بعد ستة أشهر.
مستقبل العمل في قطاع الضيافة
إذا كان العمل المرن ناجحًا في قطاعات مثل المالية والحكومة، فلماذا لا ينجح في قطاع الضيافة؟ يكمن التحدي التشغيلي في إعادة النظر في نماذج التوظيف، وتحسين جداول العمل، واستخدام التكنولوجيا لإدارة التغطية دون المساس بمعايير الخدمة.
في حين أن التجربة لا تزال في مراحلها الأولى، تتوقع بيتريديس وفريقها نتائج تتماشى مع النتائج العالمية: مشاركة أقوى، ورفاهية أفضل، وزيادة في الإنتاجية، مما سينعكس إيجابًا على كفاءة العمل بشكل عام.
تقول بيتريديس: “تهدف هذه التجربة إلى إثبات أن المرونة ممكنة، حتى في الوظائف التي تتعامل مع الضيوف بشكل مباشر”. وتضيف: “لا يجب أن تُستبعد الضيافة من نقاش مستقبل العمل”.
تتجاوز الآثار المترتبة على ذلك بكثير معنويات الموظفين. ففي قطاع ترتبط فيه جودة الخدمة ارتباطاً مباشراً بولاء العملاء، يمكن للموظفين المرتاحين والمنخرطين والمتحمسين تقديم تجارب تُبرر الأسعار المميزة وتعزز تكرار التعامل. ومع اشتداد المنافسة في قطاع السياحة في الإمارات العربية المتحدة والعالم، ستزداد قيمة هذه الميزة.
دعوة لإعادة التفكير في الوضع القائم
بالنسبة لبيتريديس، فإن الهدف ليس إثبات أن نموذجًا واحدًا يناسب الجميع، بل إطلاق حوار: ماذا لو تمكن قطاع الضيافة من الاحتفاظ بالمزيد من المواهب، وتحسين مستوى الخدمة، وزيادة الربحية ببساطة من خلال منح الموظفين مزيدًا من الوقت للراحة واستعادة النشاط؟
وتختم قائلة: “الفندق الذي يزدهر فيه الموظفون، سيكون دائمًا فندقًا يعود إليه الضيوف”. وفي سباق إعادة تعريف مفهوم الضيافة للعقد القادم، قد تكون هذه الميزة التنافسية الأهم على الإطلاق.