دينا الخالدي _ سكاكا
في مشهد لا تلتقطه عدسات الكاميرات، لكنه يضيء القلوب، يمر طيار مدني أردني بطائرته فوق سماء سكاكا، فيشعل جميع أنوار الطائرة كتحية وفاء لأرض تربى فيها صغيرًا، وتعلم فيها على يد والده المعلم. لم تكن الجوف بالنسبة له مجرد محطة في طفولته، بل كانت جذورًا امتدت في قلبه، ونقشت في وجدانه بصمة لا تُمحى.
ولد هذا الطيار في الأردن، لكنه نشأ وتربى في الجوف، حيث عمل والده معلمًا في مدارسها. هناك، بين نخيلها ودفء مجالسها، تشكلت ملامح شخصيته، وتعلم أولى دروس الحياة. واليوم، وهو يحلق في سماء الوطن العربي، لا ينسى تلك الأرض التي احتضنته، فيردّ التحية بأنوار الطائرة، وكأنها رسالة ضوء تقول: “أنا ابن الجوف، وإن ابتعدت جسدًا، فقلبي ما زال هنا.”
🌾 بصمة الجوف في القلوب
يبقى السؤال الذي يطرحه هذا المشهد: ما هي البصمة التي يتركها أهل الجوف في قلوب الناس؟ الإجابة لا تُختصر بكلمات، لكنها تتجلى في مواقف مثل هذه:
• الكرم الأصيل: الجوف ليست فقط موطن النخيل، بل موطن القلوب السخية. من يدخلها لا يخرج إلا محمّلًا بالود والضيافة التي لا تُنسى.
• الاحتضان التربوي: مثل والد الطيار، كثير من المعلمين في الجوف لا يعلّمون فقط، بل يزرعون القيم ويشكلون وجدان الأجيال.
• الدفء الإنساني: الجوف تُشعر الغريب وكأنه من أهلها. وهذا ما يجعل من عاش فيها يعود إليها ولو بنظرة من نافذة طائرة.
• الرموز الشعبية: “مشب أبو أسامة” – الأستاذ محمد عارف المسعر – ليس مجرد مجلس، بل ذاكرة حيّة، رمز للجمعة الطيبة، والسوالف التي لا تنتهي، والوجوه التي تضيء المكان قبل النار.
💫 الوفاء لا يُعلّم.. لكنه يُغرس
قصة هذا الطيار ليست استثناء، بل هي انعكاس لما تزرعه الجوف في أبنائها ومن مرّ بها. الوفاء هنا لا يُعلّم في المناهج، بل يُغرس في المجالس، ويُروى في المواقف، ويُحفظ في القلوب.
فحين يشعل الطيار أنوار طائرته فوق سكاكا، لا يضيء السماء فقط، بل يضيء ذاكرة من عاشوا في الجوف، ويذكّرهم أن الوفاء لا يحتاج إلى كلمات.. يكفيه فعلٌ صامتٌ يمرّ في السماء، ويصل إلى القلب.