الدكتور علي المرزوق يقرأ تجربة سلطان عسيري: حين تتكلم الخامة وتتنفس الذاكرة

سعيد عوضه

في أمسية احتضنتها خميس مشيط، وتحديدًا في فضاء “موجان بارك”، وقف أستاذ الآثار والفنون الإسلامية المشارك بجامعة الملك خالد الدكتور علي المرزوق أمام تجربة الفنان سلطان عسيري، نائب مدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية بعسير، ليقدّم قراءة نقدية حملت الكثير من التقدير والتأمل. المعرض الذي جاء تحت عنوان “حصاد”، افتُتح بحضور أدبي لافت يتقدّمه الأستاذ أحمد عسيري، مدير جمعية الثقافة والفنون بأبها (سابقًا)، ليكون الحدث احتفاءً بذاكرة المكان وروح الفن.

يقول “المرزوق” في مستهل قراءته:
“من يتابع تجربة سلطان عسيري، يلحظ عمقها وتراكمها، فهو لا يقدّم أعمالًا عابرة، بل يعرض حصاد سنوات من البحث، والتجريب، والانتماء البصري للبيئة العسيرية، وقد جسّدت هذه التجربة نفسها في تنوّع فني لافت، حيث ضم المعرض أعمالًا نحتية، ولوحات مسندية، وتجارب في الريليف الغائر والنافر، مستخدمًا في تنفيذها خامات تنتمي إلى الطبيعة ذاتها: الحجر، الرخام، الخشب… وكأن المادة نفسها كانت تنطق بما تفيض به ذاكرة الفنان من حبٍّ للمكان”.

وحين يتحدث (المرزوق) عن أعمال النحت، يتوقف عند بعدها الروحي قائلًا:
“أعماله النحتية تسبّح الله، فقد استلهم فيها أسماءه الحسنى، فغدت المنحوتات أذكار بصرية تتلوها الخامة بهدوء.”
أما في اللوحات المسندية، فيشير إلى أن الفنان قد نسج من تراث عسير وثقافتها المادية والرمزية لوحات تنطق بالدفء، وتستحضر التفاصيل الصغيرة للبيوتات الحجرية، والزخارف التقليدية، والأشجار التي تظلل الزمن.

ويضيف (المرزوق) أن من أبرز ملامح تجربة العسيري استلهامه لجماليات الحرف العربي، حيث يقول:
“لم يتعامل مع الحرف كعنصر لغوي، بل بوصفه كائنًا بصريًا، يشكّل النص ويحرّك اللوحة، وفق رؤية حروفية معاصرة، تنتمي للتيار الذي وصفه شربل داغر، حيث يكفي حرف واحد ليبني عالمًا تشكيليًا متكاملًا.”

ويختتم حديثه مؤكدًا أن “حصاد” لم يكن مجرد معرض، بل تجلٍّ لهوية فنية متفرّدة، صاغها (العسيري) بإخلاصٍ لروحه، وللأرض التي أنبتته، وللغة الفن التي اختارها جسرًا بينه وبين العالم.
“هي تجربة لا تقلد، ولا تكرّر، بل تسير بثقة، وتُعلن عن فنان يعرف تمامًا من أين يبدأ، وإلى أين يريد أن يصل”.

زر الذهاب إلى الأعلى