الارتباط العاطفي لدى الأطفال ذوي متلازمة داون: مراجعة علمية وتجسيد إنساني

الرياض _ روزان المطيري 

هل يُمكن لأطفال متلازمة داون أن يُحبّوا البعض دون غيرهم؟ أن يشعروا بالارتياح لشخص معيّن دون سواه؟

 العلم وحده يملك الإنصاف، مضيت أبحث بين الدراسات والبحوث، حتى وقفت على مراجعة علمية عميقة تسلّط الضوء على ارتباطهم العاطفي ونمط علاقاتهم الإنسانية.

في هذا المقال، أشارككم ما وجدته علمًا… وما لمسته قلبًا.

الارتباط العاطفي ليس مجرد حالة نفسية عابرة، بل هو حجر الأساس في تشكيل شخصية الطفل وتفاعلاته المستقبلية مع العالم من حوله. وعندما نتحدث عن الأطفال ذوي متلازمة داون، فإننا نتناول شريحة تحمل الكثير من التحديات، ولكن أيضًا الكثير من النقاء والقدرة على الحب. فهم، رغم اختلافهم، يمتلكون قلوبًا قادرة على التمييز، ومشاعر تبحث عن الأمان.

دراسة علمية حديثة

في عام 2023، نُشرت مراجعة علمية بعنوان:

“Systematic Review on Attachment and Down Syndrome”

في مجلة Journal of Intellectual & Developmental Disability. أعدّ هذه الدراسة باحثون من جامعتي باريس نانتير وباريس 8 بفرنسا (Université Paris Nanterre & Université Paris 8)، وهدفت إلى تحليل أنماط الارتباط العاطفي لدى الأطفال ذوي متلازمة داون بناءً على 12 دراسة منشورة بين عامي 1975 و2021.

 رابط الدراسة:

https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/39815888/

المنهجية

اعتمدت الدراسة على مراجعة منهجية لدراسات علمية منشورة في قواعد بيانات موثوقة مثل PsycINFO وMEDLINE وPBSC، مع تحليل نوعية العلاقات العاطفية التي يبنيها هؤلاء الأطفال، وتأثير القدرات الإدراكية والسلوكية في تشكيل تلك العلاقات.

أبرز النتائج

الارتباط الآمن ليس غائبًا

أظهرت النتائج أن نحو 50% من الأطفال ذوي متلازمة داون يطورون علاقات ارتباط آمن مع مقدّمي الرعاية، رغم التحديات المصاحبة لحالتهم، مما يدل على وجود بنية عاطفية داخلية متماسكة.

أنماط ارتباط غير نمطية

كانت نسبة أنماط الارتباط غير الآمن أو غير المصنف أعلى مقارنةً بالأطفال النمطيين، مما يشير إلى أن صعوبات التواصل أو الفهم قد تؤثر في تعبيرهم العاطفي، دون أن تنفي حاجتهم الفطرية للتواصل والطمأنينة.

العلاقة مع الإعاقة الإدراكية

لم تظهر نتائج حاسمة بشأن تأثير شدة الإعاقة المعرفية على نمط الارتباط، ما يدل على أن البيئة والعلاقات الأسرية قد تلعب دورًا أكبر من مجرد العامل البيولوجي في تشكيل الارتباط.

التوصيات

دعم الأهالي ومقدّمي الرعاية ببرامج إرشادية لتعزيز الارتباط الآمن.

تطوير أدوات تقييم دقيقة تناسب خصائص الأطفال ذوي متلازمة داون.

تشجيع الباحثين على دراسة النماذج الإيجابية من العلاقات العاطفية في هذه الفئة، بدلاً من التركيز فقط على الصعوبات.

تجسيد حي للارتباط الآمن

تبرز هذه المراجعة العلمية صورة أكثر عمقًا للعلاقات العاطفية لدى الأطفال ذوي متلازمة داون. فهم، رغم التحديات، يمتلكون القدرة الفطرية على التعلّق، والحاجة الصادقة إلى الحب والاستقرار. وهذه الحقيقة لا تبقى حبيسة صفحات الأبحاث، بل تتجلى أحيانًا أمامنا، في مشاهد حيّة.

وقد رأيتُ ذلك بنفسي، حين لمحتُ في عيني أحد الأطفال من ذوي متلازمة داون نظرة امتزج فيها الأمان بالمحبة، وهو يتجه بقلبه قبل خطاه نحو الأميرة أضواء فهد آل سعود.

كانت لحظة تختصر الكثير مما تعجز الكلمات عن وصفه.

كم هو مدهش أن ترى قلوب هؤلاء الأطفال – النقيّة، الصادقة – تُميز من بين الجميع من يمنحهم الطمأنينة، فيتجهون إليه، كأنهم وجدوا فيه مرسى أرواحهم الصغيرة.

إنها ليست مصادفة، بل دليل حي على أن القلوب الصافية لا تُخطئ، وأن الحب الحقيقي لا يحتاج إلى لغة كي يُقال.

زر الذهاب إلى الأعلى