في خضم النهضة العمرانية والاقتصادية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، قد يغيب عن أذهان الكثيرين واقعٌ مؤلمٌ يختبئ في زوايا المدن وعلى أرصفة الطرقات: التشرد. هذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة، وإن لم تكن بنفس الانتشار الذي نشاهده في دول أخرى، إلا أنها تظل جرحاً صامتاً في نسيج مجتمعنا، تستدعي وقفة تأمل وفهم معمق لأسبابها وتداعياتها.
ماذا يعني التشرد في واقعنا؟
إنه يتجاوز مجرد فقدان المأوى ليلامس جوانب إنسانية أعمق تتعلق بالكرامة والأمن والاستقرار. قد يكون المشرد فرداً وجد نفسه وحيداً بلا سند، أو عائلة تشتت بها السبل، أو مسناً تقطعت به حبال الرعاية. إنهم أولئك الذين تجبرهم الظروف القاسية على افتراش الأرض وغطاء السماء، ومواجهة تحديات يومية تبدأ بالبحث عن لقمة العيش وتنتهي بالخوف من المجهول.
لا شك أن المملكة العربية السعودية، انطلاقاً من قيمها الإسلامية والإنسانية، تبذل جهوداً مقدرة لمعالجة هذه القضية. هناك مبادرات حكومية ومؤسسات خيرية تسعى لتقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين سواء مواطن او مقيم
لكن من المهم تبني رؤية متكاملة من الجهات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية ترتكز على الوقاية والعلاج والتأهيل. يتطلب ذلك تعزيز برامج الدعم الاجتماعي للأسر الأكثر هشاشة، وتوفير خيارات إسكان ميسرة وبأسعار معقولة. كما أن تطوير برامج متخصصة لإعادة تأهيل وتوظيف المشردين، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم،
وتخصيص ارقام للتبليغ عن حالات التشرد بكل سرية وحفظ خصوصة المبلغ والمشرد
ونشر ثقافة التعامل مع المشرد الصحيحة والسليمة فقد يكون التعاطف معهم بالمال او الاطعام مهلك لبعضهم ويضرهم اكثر من نفعهم.
كما من المهم تقديم مبادارات تطوعية للمساهمة في معالجة هذه الظاهرة المؤلمة
كل ذلك يمثل خطوات حيوية نحو تمكينهم واستعادتهم لحياة كريمة.
إن مسؤولية معالجة قضية التشرد لا تقع على عاتق الجهات الرسمية والخيرية فحسب، بل تمتد لتشمل كل فرد في المجتمع. تغيير النظرة السلبية تجاه المشردين، وإظهار التعاطف والتفهم، وتقديم يد العون والمساعدة متى سنحت الفرصة، هي خطوات صغيرة لكنها تحمل في طياتها قوة التغيير.
في الختام، إن صمت الشوارع الذي يخفيه واقع التشرد في المملكة يجب أن يتحول إلى صوت عالٍ يدعونا جميعاً إلى العمل والتكاتف لمساندة هذه الفئة المحتاجة. إن بناء مجتمع قوي ومتماسك لا يكتمل إلا بالاهتمام بأضعف حلقاته، ومد يد العون لكل من تقطعت به السبل، ليعودوا أعضاء فاعلين ينعمون بالكرامة والأمن والاستقرار الذي يستحقه كل إنسان.