المحامي الدكتور مساعد سعود الجبيري الرشيدي
حثت الشريعة الإسلامية على كل ما من شأنه أن يقرب بين قلوب الناس ويغرس المحبة والإخاء فيما بينهم، وسُنت الهبة لإزالة الكراهية والبغضاء والحقد من صدور المسلمين، ولا شك أن الهبة هى من الأمور التي تغرس في القلوب المحبة والمودة والألفة التي دعت إليها الشريعة الإسلامية الغراء (1)، فنظمت أحكامها، ونسجت على منوالها الأنظمة في المملكة، فنظمت أحكام الهبة في الفصل الثالث من الباب الأول الخاص بالعقود الواردة على الملكية، ولذا فإننا سوف نتناول تحديد ما هو المقصود بعقد الهبة؟، ثم نتساءل عن كيفية انعقاد عقد الهبة؟ ثم نتعرف على محل عقد الهبة، ثم نعرض لآثار وأحكام عقد الهبة.
أولاً: ما هو المقصود بعقد الهبة؟
عرفت المادة (366) من نظام المعاملات المدنية عقد الهبة بأنه “الهبة عقد ُيملك بمقتضاه الواهب حال حياته الموهوب له مالاً دون عوض “ومن هذا التعريف يبين لنا أن الهبة عقد فلا بد فيه من إيجاب وقبول متطابقين، وأن الواهب بمقتضى عقد الهبة يلتزم بنقل حق عيني إلى الموهوب له، فينقل الواهب للموهوب له ملكية عقار أو منقول وذلك دون عوض، ولكن هذا لا يمنع من أن يشترط الواهب التزاماً معيناً على الموهوب له(2)، فيصح أن يفرض الواهب على الموهوب له التزاماً لمصلحة الموهوب له نفسه، كأن يهب له مبلغاً من المال ويلزمه بإنفاقه في القيام برحلة علمية يفيد منها(3)، أما إذا اشترط الواهب عوضاً على الموهوب له، فهنا يكون العقد معاوضة تطبق عليه أحكام المعاوضات بحسب طبيعة العوض (4).
ثانياً: كيفية انعقاد عقد الهبة؟
تنعقد الهبة بإيجاب وقبول متطابقين صادرين من الواهب والموهوب له، وذلك طبقاً القواعد العامة في نظرية العقد، ويجب أن يكون متمتعاً بكامل الأهلية، وألا تكون إرادته مشوبة بعيب من عيوب الإرادة وهى الغلط أو التدليس أو الإكراه أو الاستغلال، أما من حيث الشكل فقد فرَّق المنظم في نظام المعاملات المدنية بين ما إذا كان محل عقد الهبة عقاراً أم منقولاً؛ فعقد هبة العقار لا ينعقد إلا بتوثيقه وفق نظام التوثيق أمام كاتب عدل(5)، وفي هذه الحالة تكون هبة العقار عقدًا شكلياً حتماً، أما عقد هبة المنقول فقد أجاز النظام أن ينعقد بتوثيقه وفق نظام التوثيق أمام كاتب عدل، أو بالقبض دون توثيق (6)، والقبض يكون بالتسليم الفعلي للمنقول بالمناولة، فيناول الواهب الموهوب له المنقول الموهوب يداً بيد، وتنتقل بذلك حيازة الموهوب من الواهب إلى الموهوب له، فتتم الهبة بالقبض (7)، وإذا اختل شكل الهبة على النحو الذي أسلفناه كانت الهبة باطلة لا أثر لها، هذا ويجب لصحة الهبة أن يكون الواهب مالكاً للمال الموهوب، وإلا لم ينفذ عقده في حق المالك له، إلا إذا أجازه (8).
هذا وقد أجاز نظام المعاملات المدنية للمالك على الشيوع أن يهب حصته الشائعة سواء كانت عقاراً أم منقولاً لشريكه على الشيوع، فمن يهب مثلاً ثلث عقار شائعاً؛ ينقل ملكية هذا الثلث في الشيوع للموهوب له، كما يجوز له أن يهب حصته على الشيوع ليس لشريكه فقط بل لغيره أيضاً، وفي جميع الأحوال يستطيع أن يفعل ذلك حتى لو كان العقار أم المنقول قابلاً للتقسيم(9).
ثالثاً: آثار وأحكام عقد الهبة.
يترتب على عقد الهبة عدة آثار، هي:
1ـ التزام الواهب بنقل ملكية الموهوب إلى الموهوب له، فيقدم كافة المستندات المطلوبة لنقل الملكية إذا كان المال الموهوب عقاراً، أما إذا كان المال منقولاً فينتقل بالقبض(10).
2 ـ التزام الواهب بتسليم الشيء الموهوب إلى الموهوب له، ويكون التسليم بوضع الموهوب تحت تصرف الموهوب له في الزمان والمكان المعينين (11).
3 ـ لا يضمن الواهب استحقاق الموهوب، ولكنه يكون مسئولاً في الحالات الآتية:
الحالة الأولى: إذا لحق الموهوب له ضرر بسبب الاستحقاق.
الحالة الثانية : إذا تعمد الواهب إخفاء سبب الاستحقاق.
الحالة الثالثة: إذا ضمن الواهب للموهوب له خلو الموهوب من سبب الاستحقاق.
4- لا يضمن الواهب خلو الموهوب من العيوب؛ ولكنه يكون مسئولاً في الحالات الآتية:
الحالة الأولى: إذا لحق الموهوب له ضرر بسبب العيب.
الحالة الثانية : إذا تعمد الواهب إخفاء العيب.
الحالة الثالثة: إذا ضمن الواهب للموهوب له خلو الموهوب من العيب(12).
5 ـ يلتزم الموهوب له حال كانت الهبة مشروطة وجب على الموهوب له أداء ما التزم لمصلحته أو لمصلحة غيره (13)، فإذا اشترط الواهب على الموهوب له عوضاً يؤديه في مقابل الهبة، كأن يهب داراً ويشترط على الموهوب له أن يرتب له إيراداً مرتباً طول حياته يقرب من ربع الدار، وقد يكون العوض لمصلحة الغير كأن يهب الدار ويشترط على الموهوب له أن يسكن معه فيها أحد أقاربه(14).
6 ـ إذ تعلق بالموهوب حق عيني وفاءً لدين في ذمة الواهب أو ذمة غيره، فيلتزم الموهوب له بوفاء هذا الدين في حدود قيمة الموهوب؛ ما لم يتفق على خلاف ذلك (15).
7 ـ تكون نفقات عقد الهبة وتسليم الموهوب ونقله؛ على الموهوب له وذلك كله مالم يتفق على خلافه.
رابعاً: الرجوع في الهبة.
أجاز النظام للواهب الرجوع في الهبة، وفرَّق المنظم بين نوعين من الرجوع هما:
1- الرجوع بالتراضي :
أجاز نظام المعاملات المدنية للواهب الرجوع في الهبة؛ إذا قبل الموهوب له ورد المال الموهوب(16).
2- الرجوع بالتقاضي :
أجاز نظام المعاملات المدنية للواهب طلب الرجوع في الهبة، حال عدم قبول الموهوب له رد الموهوب في الحالات الآتية:
أـ إذا كانت الهبة من أحد الوالدين لولده إذا وجد مسوغ لذلك.
ب ـ إذا جعل الواهب لنفسه حق الرجوع في الهبة، في حالات حددها يكون له فيها غرض مشروع.
جـ ـ إذا كانت الهبة مشروطة صراحة أو ضمناً بالتزام على الموهوب له وأخل به(17).
3- سقوط حق الرجوع:
يسقط حق الرجوع في الهبة في حالة الرجوع بالتراضي أو بالتقاضي على النحو الموضح سلفاً بموت أحد طرفي العقد قبل الرجوع(18).
خامساً: الآثار التي تترتب على الرجوع في الهبة.
1ـ للواهب عند الرجوع في الهبة استرداد الموهوب وثماره من وقت قبول الموهوب له برد الموهوب، أو من وقت رفع الدعوى إذا كان الرجوع بالتقاضي (19).
2ـ ليس للموهوب له حق استرداد النفقات التي أنفقها على الموهوب إلا النفقات النافعة وبقدر ما زاد في قيمة الموهوب (20).
3 ـ ليس للواهب عند الرجوع في الهبة استرداد عين الموهوب في الحالات الآتية:
– الحالة الأولى : إذا تصرف الموهوب له في الموهوب تصرفاً ناقلاً للملكية، حال اقتصر التصرف على جزء منه فللواهب استرداد الباقي.
– الحالة الثانية: إذا زاد الموهوب زيادة متصلة ذات أهمية، أو غير الموهوب له الموهوب على وجه تغير فيه اسمه أو طبيعته.
– الحالة الثالثة : إذا هلك الموهوب في يد الموهوب له، فإن هلك بعضه فيحق للواهب استرداد الباقي (21).
4 ـ إذا لم يكن للواهب الحق في استرداد عين الموهوب وفقاً للمادة (379) من نظام المعاملات المدنية؛ فلا يستحق قيمة الموهوب له، إلا إذا كانت الهبة مشروطة وأخل الموهوب له بالشرط فللواهب قيمة الموهوب وقت سقوط حقه في الاسترداد (22) .
5ـ إذا كان للواهب الحق في الرجوع في الهبة وهلك الموهوب في يد الموهوب له، وبعد إعذاره بالتسليم؛ التزم الموهوب له بتعويض الواهب (23).
المصادر:
د. خير عبد الراضي خليل – الهبة وأحكامها في الشريعة الإسلامية – رسالة ماجستير – كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة ـ جامعة الملك عبد العزيز – عام1981 منشورة على الموقع التالي تاريخ الدخول اليوم الخميس الموافق 10/10/2024 الساعة 12.45 ظهراً ص 2 https://www.quranicthought.com/ar/books/%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A8%D
المادة رقم (367 /1) من نظام المعاملات المدنية الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/191) بتاريخ 29/11/1444هـ.
د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الخامس ـ طبعة نادي القضاة عام – 1987 ـ ص18.
المادة رقم (367 /2) من نظام المعاملات المدنية الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/191) بتاريخ 29/11/1444هـ.
المادة رقم (368/1) من ذات النظام .
المادة رقم (368/2 ) من ذات النظام .
د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الخامس ـ طبعة نادي القضاة عام – 1987 ـ ص 74 .
المادة رقم (369) من نظام المعاملات المدنية الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/191) بتاريخ 29/11/1444هـ.
المادة رقم (371 ) من ذات النظام .
د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الخامس ـ طبعة نادي القضاة عام – 1987 ـ ص177 .
د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الخامس ـ طبعة نادي القضاة عام – 1987 ـ ص189 .
المادة رقم (372) من نظام المعاملات المدنية الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/191) بتاريخ 29/11/1444هـ.
المادة رقم (373) من ذات النظام .
د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الخامس ـ طبعة نادي القضاة عام – 1987 ـ ص 212 .
المادة رقم (374) من نظام المعاملات المدنية الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/191) بتاريخ 29/11/1444هـ.
المادة رقم (376/1) من ذات النظام .
المادة رقم (376/2) من ذات النظام .
المادة رقم (377) من نظام المعاملات المدنية.
المادة رقم (378/1) من ذات النظام .
المادة رقم( 378/2)من ذات النظام .
المادة رقم (379) من نظام المعاملات المدنية.
المادة رقم (380) من ذات النظام .
المادة رقم (381) من ذات النظام .