حين تتعامل مع الأحسائي رجلاً كان أو امرأة ستسمع كلمةً منطبعةً في عمق وجدانه وفكره ويترجمها سلوكه وخلقه في جميع تعاملاته الحياتية وهي كلمة (مايخالِف) كلمة تُميِّز هذا الإنسان عن سواه وتُحبِّبك فيه وتُرغِّبك في التعامل معه والثقة فيه والارتياح منه والانسجام معه وهذه الكلمة تعني أنه لن يختلف معك في شيءٍ ولن يعارضك أو يضايقك أو يسخطك منه لكي لا يخسرك فأنت في نظره أغلى مما يمكن أن تختلفا حوله أيَّاَ كان هذا الشيء ومهما كان ثمنه أو قيمته أو مكانته عنده وتسمع هذه الكلمة منه بنبرةٍ صوتيةٍ في غاية الرقة واللطافة وكأنها نبرة والدك حين يحدثك بحنوِّه الأبوي كلمة تعجز تصف معانيها وتأثيرها على نفسك وجمالها وروعتها وقد توارثها الأحسائيون أباً عن جد وتأصَّلت في طباعهم منذ الأزل.
فحين ترغب في شراء سلعةٍ منه بسعرٍ ما وإن كان يغمط حقه يقول لك ما يخالف وحين يعرض القاضي صلحاً عليه مع خصمه يقول ما يخالف وحين تقترح عليه اصطحابك لمكانٍ ما يقول ما يخالف وحين تعرض عليه أمراً معيناً يقول ما يخالف وحين تقترض منه مالاً ولا تستطيع رده في موعده يقول ما يخالف وحين تخفضه في إيجار عقار أو قيمة شرائه يقول ما يخالف وحين تطلب منه التنازل عن حقٍ مشروعٍ يقول ما يخالف وحين تسافر معه وتقترح عليه برنامجاً للرحلة يقول ما يخالف وحين تطلب منه أي شيء باستطاعته فعله يقول ما يخالف وغير ذلك الكثير من الحالات التي لا يمكننا تعدادها هنا.
وهذه الكلمة تعني الموافقة وعدم المعارضة أو الاختلاف وهي ترمز للسماحة والطيبة في أسمى معانيها وأجلى صورها وأشكالها صفة لا يتحلَّى بها إلاَّ من اتصف بسهولة العريكة ولين الجانب والتسامح والسماحة والطيبة وهذه الصفة لا تتشكَّل إلا نتيجة ثقافةٍ اجتماعيةٍ وفكريةٍ راقية وتحضرٍ حقيقي وهو ما يمثل حقيقة الأحسائي الذي صنعته حضارات عديدة تعاقبت على أرضه بدءاً بالفينقيين صانعي الحضارة الإنسانية منذ 5000 سنة قبل الميلاد وانتهاءً بعصرنا الحاضر ولا يمكن للإنسان أن ينفك عن ثقافته وأصله ومنبعه وجذره ويمثل سلوكه مظهراً من مظاهر عقيدته وبيئته وتربيته وثقافة مجتمعه.
فما أروع هذه الكلمة وما أعذب نبرتها وما أدعاها لحل النزاعات والخلافات ومنع الشقاق والخصومات ونشر المحبة والألفة في المجتمع ومنع العداوات والحزازات والصراعات وتحقيق التعايش الذي تنشده المجتمعات والأوطان فلو تقصَّينا أبعاد هذه الكلمة ودرسنا جوانبها المتعددة لوجدناها من أهم عوامل نشر السلام والحب والوئام في المجتمع ودرء الأحقاد والانتقام والثأر والكراهية ودحر الشر بكل أنواعه ووأد المعارك وليس ذلك ضعفاً أو جبناً أو انهزاماً أو استكانة كما يتصوَّرها الجهلاء وقاصروا النظر والإدراك وإنما هي القوة الحقيقية وتغليب العقل على العاطفة وهي الحكمة والوعي والفهم لمعنى الإسلام وجوهره وحقيقته وهذا هو خلق المسلم المجبول على السماحة والتسامح والطيبة والتقاضي والتغافل والعفو والتنازل مصداقاً لقول الرسول عليه الصلاة والسلام المؤمن سمح إذا باع سمح إذا اشترى سمع إذا قضى سمح إذا اقتضى ولا تكون السماحة إلا في إنسان بلغ منتهاه في الرقي النفسي والتحضر الفكري والسمو الوجداني يقول الرسول عليه الصلاة والسلام حرم عن النار كل هينٍ لينٍ سهلٍ قريبٍ من الناس يعني سهل أن تناقشه وسهل أن تطلب منه وسهل أن تقنعه وسهل أن ترضيه.
أديب وصحفي
زر الذهاب إلى الأعلى