رشاد اسكندراني
صدّق أو لا تصدّق – شبكة الجيل الخامس في بريطانيا رديئة للغاية
نحن متخلفون عن جميع دول مجموعة السبع الأخرى، ولكن تحسين شبكات الهاتف المحمول قد يضيف مليارات إلى الاقتصاد البريطاني
كم هو رائع ركوب السيارة على الطرق الريفية المتعرجة وسط أميال من الحقول المترامية في مقاطعة ساسكس. لقد تسنى لي الكثير من الوقت لأرى هذا الجمال كله من مقعد الركاب في السيارة، حيث كنت أجلس منكباً على حاسوبي المحمول خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي.
كان من المفترض بي أثناء ذلك أن أحرر مقالاً، لكني قضيت معظم وقتي أكيل الشتائم جراء الانقطاع المتكرر لشبكة الإنترنت المحمولة من الجيل الخامس التي كنت قد ربطتها بالحاسوب. لقد كان من المستحيل أن أنجز مهمتي بهكذا وضع.
قد يتبادر إلى أذهانكم أن الأمر طبيعي مع ركوب السيارة عبر المناطق الريفية في المملكة المتحدة. ولكن هذه المشكلة لا تقتصر على الطرق الريفية وحسب، وإنما تعاني منها كل مدينة وبلدة وقرية صغيرة وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة – فشبكة الجيل الخامس في بريطانيا رديئة للغاية.
كشفت دراسة أجرتها شركة “أوبن سيجنال” في عام 2023 أن مستخدمي الهاتف المحمول في المملكة المتحدة لديهم أسوأ متوسط لسرعة تنزيل البيانات عبر شبكات الجيل الخامس (5G) بين جميع دول مجموعة السبع. وكانت اليابان والمملكة المتحدة الدولتان الوحيدتان اللتان شهدتا انخفاضاً في الأداء عاماً تلو الآخر.
وأكثر الشكاوى التي تتلقاها شركات الهاتف المحمول هي ضعف خدمة الشبكة: حيث يشكو 17% من مستخدمي الهاتف المحمول من مشاكل في الاتصالات وفقاً لـ Which?. وبحسب هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية “أوفكوم”، فإن 69% فقط من المناطق الريفية في المملكة المتحدة تتلقى تغطية تقنية الجيل الرابع (ناهيك عن الجيل الخامس) من مزودي الاتصالات الرئيسيين. وتتقدم البلدان الأخرى بأشواط في ذلك؛ حيث يمكن للمستخدمين البريطانيين الوصول إلى شبكة الجيل الخامس حوالي 10% من الوقت، مقارنة بأكثر من 40% في الهند.
لكن لماذا هذا الضعف فيما يخص البيانات؟ يكمن الجواب في القرار الذي اتخذته حكومة بوريس جونسون في يوليو 2020 بإلغاء تثبيت جميع المنتجات التي تصنعها شركة هواوي – إحدى أكبر شركات الاتصالات في العالم، من شبكة الجيل الخامس في المملكة بحلول عام 2027. كما حظرت الحكومة شراء أي مجموعات اتصال جديدة من هواوي اعتباراً من نهاية عام 2020.
كان استبعاد أفضل مزود عالمي لمعدات اتصالات الجيل الخامس قراراً جريئاً – ومفهوماً إلى حد ما. فقد كانت السلطات المعنية في المملكة المتحدة، وفي مقدمتها المركز الوطني للأمن السيبراني، متخوفة من أن تستخدم الحكومة الصينية تقنياتها المتطورة هذه للمراقبة. لكن حظرها كان له تأثير كبير بلا شك في إبطاء طرح اتصالات الجيل الخامس السريعة والموثوقة في المملكة. ورغم اضطلاع شركات أخرى – مثل إريكسون وسامسونج – بهذه المسؤولية، لكن ذلك لم يكن كافياً لسد الفجوة.
وهذا ليس التفسير الوحيد بطبيعة الحال؛ حيث يقول الخبراء إن هناك نقصاً في الاستثمار طويل الأجل: صحيح أن استبعاد هواوي كان له تبعات سلبية حقيقية، غير أن تقاعس الحكومة جعل الأمر يتفاقم أكثر.
حتى تنجح تقنية الجيل الخامس، لا بد من وجود نظام تخطيط يسمح ببناء أبراج الهواتف المحمولة. وقد تم بالفعل إجراء تغيير على آليات تقييم الأراضي بموجب قانون الاقتصاد الرقمي في عام 2017 بهدف تسهيل الوصول إلى هذه التقنية، إلا أن هذا التغيير أفضى بدلاً من ذلك إلى حدوث نزاعات وتقليص مساحات الأراضي المخصصة للبنية التحتية. كما رفضت إدارات التخطيط خططاً لإقامة أبراج في بعض المناطق بسبب المعارضة الشعبية لهذا الأمر.
وفي عام 2022، قدر المستشارون أن الحصول على شبكة الجيل الخامس بالكامل بحلول عام 2030 يكلّف نحو 37 مليار جنيه إسترليني. ويمكن لقطاع الاتصالات أن يتحمل ثلث هذه الفاتورة تقريباً؛ ويتطلب الأمر تدخل الحكومة لدفع الباقي، ولكنها لم تفعل.
يمكننا أن نقول على سبيل الدعابة أننا نحتاج إلى تقنية الجيل الخامس حتى نتمكن من تحميل الميمات بشكل أسرع؛ ولكن مؤسسة “سوشال ماركت فاونديشن” سلطت الضوء على الضرورة الملحة الحقيقية لهذه التقنية. فقد أشارت المؤسسة إلى أنه بحلول عام 2035، يمكن لتقنية الجيل الخامس أن تضيف 159 مليار جنيه إسترليني إلى اقتصاد المملكة المتحدة، مما يفوق حجم الاستثمار المطلوب مرات عدة. فنشر هذه التقنية من شأنه أن يساعد رجال الأعمال في الرد على رسائل البريد الإلكتروني أينما كانوا، وتحسين معاملات الدفع، والحد من الازدحامات المرورية من خلال إعادة توجيه الحافلات والسيارات بكفاءة مع تدفق المعلومات بشكل أسرع.
مع أنني لا أعتقد أن تكون وزيرة الخزانة راشيل ريفيس مهتمةً أصلاً بقدرتي على إنجاز عملي في الموعد المحدد، لكنها حتماً مهتمة بأن تقف البلاد مجدداً على قدميها.