مقال للكاتبه روزان المطيري بعنوان ( رأى في مقبرة الآراء )

في حماس أوائل العشرينات، يدخل الإنسان مرحلة الاستقلال، حيث يبدأ في تشكيل مبادئه وأفكاره وقيمه. هذه الفترة تمثل فترة استكشاف للذات، حيث يُدعى الشاب لاستكشاف هويته، وتحديد مواقفه تجاه الحياة والمجتمع. في هذه المرحلة، يتعرض الفرد لضغوطات متعددة، سواء كانت اجتماعية أو ثقافية، تدفعه في بعض الأحيان إلى تبني آراء معينة دون تفكير كافٍ. لقد قيل لنا: “اجعل لك رأياً خاصاً بك، ولا تتبع القطيع”، ولكن هل تم إخبارنا بضرورة الاحتفاظ برأينا كحكمة؟

أهمية النقد الذاتي

قد يعتقد البعض أنني أمارس نوعاً من قمع الرأي، ولكن هل سألت نفسك من أين استنبطت رأيك؟ هل زوايا النقاش متساوية؟ هل اطلعت على جميع الحقائق والمعلومات، وهل تعتقد فعلاً أنها حقائق؟ لماذا تصر على قناعتك بشدة؟

في هذه المرحلة من الحياة، نعتقد أننا على دراية بأمور كثيرة، ولكن يمكن أن يتحول هذا الاعتقاد إلى فخ يعيق نموّنا الفكري. في حماسة الشباب، قد يكون الفرد أكثر عرضة للتأثر بالآراء المتداولة، وبدلاً من أن يسعى للحصول على المعرفة ويشكل آراءه بناءً على المعلومات الموثوقة، ينغمس في الإيمان بما يقوله الآخرون. وهذا يدفعنا إلى التساؤل: كيف يمكن للفرد أن ينمي من وعيه الذاتي ويخرج من هذا الفخ؟

التحذير من السطحية

المثل الشعبي المتداول “الكلام ما عليه جمرك” يُحذرنا من خطورة الكلمات. الكلمات ليست مجرد تعبيرات عابرة، بل تحمل في طياتها معاني وأبعاد قد تؤثر على حياتنا وحياة الآخرين. فهناك كلمات يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة، سواء كانت هذه العواقب اجتماعية أو نفسية أو حتى روحية. لذا، يجب علينا أن نكون حذرين وأن نحافظ على احترامنا لذواتنا وللآخرين.

عندما نتحدث، يجب أن نكون مدركين للقوة التي تمتلكها كلماتنا. إن استخدام كلمات غير محسوبة قد يؤدي إلى توترات أو سوء فهم مع الآخرين. يجب أن نكون واعين لمدى تأثير آرائنا على الآخرين، وأن ندرك أن الحوار البناء يتطلب احترام الآراء المختلفة، حتى وإن كنا لا نتفق معها.

خطوات نحو الوعي

دعوني أشارككم بعض النقاط التي ستكتشفونها في مشارف الثلاثين:

1. تقبل الاختلاف: جعل الله الأرض والسماء ومن فيها بألوان جميلة. لذلك، يجب أن نتقبل اختلاف الآخرين فكرياً وعاطفياً. إن اختلاف الآراء يمكن أن يكون مصدر إلهام ودافعاً للنمو. استمع إلى الآخرين وكن منفتحاً على وجهات نظرهم، فقد تتعلم شيئاً جديداً أو تكتشف جانباً من الحقيقة لم تكن على علم به. يجب أن تدرك أن التنوع الفكري يعزز من قوة المجتمع ويساهم في تطوره.

2. أعرف قدر نفسك: قبل أن تصفعك الحياة، اعرف قيمة نفسك. اجعل وقتك وطاقةك ثمينة، وتوقف عن الانغماس في معارك لا طائل منها. يجب أن تكون لديك القدرة على وضع حدود واضحة لما هو مقبول وما هو غير مقبول في حياتك. اعتن بنفسك وكن واثقاً من قدراتك، ولا تدع الشكوك تتسلل إلى ذهنك. يمكن أن يساعدك التقدير الذاتي على اتخاذ قرارات أكثر حكمة.

3. طور ذاتك: استثمر في نفسك، وتعلم باستمرار. أضف مهارات جديدة وأفكار متنوعة إلى حياتك. يمكنك أن تقرأ الكتب، أو تشارك في الدورات التدريبية، أو حتى تتعلم من تجارب الآخرين. كلما زادت معرفتك، زادت قدرتك على اتخاذ قرارات مستنيرة. تجنب الاستسلام للفكر التقليدي، وابحث دائماً عن فرص جديدة للتعلم والنمو.

4. نظم علاقاتك: ضع حدوداً واضحة لعلاقاتك على جميع الأصعدة، واجعل لكل شخص في حياتك مكانة خاصة. تواصل مع الأشخاص الذين يضيفون قيمة إلى حياتك، وابتعد عن العلاقات السلبية التي تؤثر على طاقتك الإيجابية. العلاقات الصحية تعزز من نموك وتساعدك في مواجهة التحديات. يجب أن تتعلم كيفية الاعتناء بعلاقاتك الاجتماعية، فالصداقة الحقيقية والدعم المتبادل هما من أهم عناصر النجاح والسعادة.

5. كن مرناً: الحياة ليست مثالية دائماً، لذا كن مستعداً لتقبل الألوان الرمادية بدلاً من التصورات المطلقة. تعلم كيفية التعامل مع المواقف غير المتوقعة واستفد من التحديات كفرص للنمو والتطور. أحياناً تكون الحلول الوسطى هي الأكثر فعالية. تقبل التغيير كجزء من الحياة، وكن دائماً مستعداً للتكيف مع الظروف الجديدة.

6. الاستماع والتأمل: في خضم الانشغال بحياتنا اليومية، ننسى أحياناً أهمية الاستماع. خصص وقتاً للتأمل والتفكير في آرائك وقراراتك. هل هي مستندة إلى معلومات صحيحة؟ هل هناك وجهات نظر أخرى يجب أن تأخذها بعين الاعتبار؟ الاستماع هو مهارة قيمة، فهو يمكن أن يساعدك في فهم المواقف بشكل أفضل وتقدير مشاعر الآخرين.

أهمية التفكير النقدي

عندما نتحدث عن الرأي، لا يمكننا أن نغفل أهمية التفكير النقدي. فالتفكير النقدي هو القدرة على تحليل المعلومات والأفكار بشكل منطقي، مما يمكن الشخص من اتخاذ قرارات مستنيرة. يجب علينا أن نتساءل: هل المعلومات التي نتلقاها صحيحة؟ من المصدر الذي تأتي منه هذه المعلومات؟ وما هي الدوافع وراء نشرها؟

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي علينا أن نكون مستعدين لتغيير آرائنا إذا تبين لنا أننا كنا مخطئين. لا عيب في الاعتراف بخطأ، بل على العكس، يظهر ذلك نضوجاً وفهماً عميقاً للواقع. عندما تكون لديك القدرة على مراجعة أفكارك وقناعاتك، فإنك تفتح لنفسك أبواباً جديدة للتعلم والنمو.

الختام

وفي النهاية، عزيزي القارئ، تذكر أنك لا تعلم الحقيقة كاملة. هناك دائماً عدة أوجه للحقيقة، وعليك أن تبقى منفتحاً على الأفكار الجديدة والتغيرات. إن رحلتك نحو النضوج الفكري تتطلب منك الاستعداد للتعلم، والتغيير، والنمو. لا تخف من إعادة النظر في آرائك، وكن دائماً في سعي مستمر نحو المعرفة والحكمة.

انطلق في هذه الرحلة بروح إيجابية وفضول دائم، وتذكر أن الحياة ليست مجرد مجموعة من الآراء، بل هي تجربة غنية تتطلب منا أن نكون مستعدين لاكتشاف أبعاد جديدة من أنفسنا ومن العالم من حولنا. حاول أن تكون واعياً لمشاعرك وأفكارك، واجعل من كل تجربة فرصة للنمو والتطور. قد تجد أن التغيير هو أحد أفضل الطرق للتقدم في حياتك، وأن المرونة في التفكير تعزز من قدرتك على التكيف مع التحديات وتحقيق أهدافك.

أخيراً، اجعل من قناعاتك حجر أساس في بناء حياتك، ولكن لا تتردد في تحديها واستكشاف آفاق جديدة. فالحياة مليئة بالفرص، والمفتاح يكمن في قدرتك على قبول التغيير والنمو من خلاله.

زر الذهاب إلى الأعلى