دواعش هوس الشرف

يقولون لا شرف في جرائم الشرف ، وأنا أقول لا دين لجرائم الشرف .
“اوقفوا قتل النساء”  تهافت بها الجميع في مواقع التواصل وكأنهم كانوا نيام منذ سنوات ثم أفاقوا على مصرع قتل وضرب النساء الذي بات للحقوقيين والمتابعين لقضايا الإنسان أمرًا رتيبًا ، لا يُقشعر شعرة واحدة من أجسادهم كونهم اعتادوا القراءة عن ضرب و حرق النساء ، والسماع بأخبار جرائم الشرف التي لا شرف فيها سوى شرف المغدورات على أيدي رجال افتقدوا لشرف العقل والإنسانية أي لشرف الدين الذي أوصى بالحفاظ على الأنفس ، و نهى الاعتداء عليها بغير حق .
ما يَهُمني الأن عن بقية جرائم قتل النساء هي جرائم الشرف كونها نابعة من فكرة أن للرجل حق الوصاية من أب،وأخ،وزوج ، وأن مفتعليها ليسوا مرضى جوالين يُرِيقون دم أي امرأة أو طفلة يصادفونها ، وحين يُعطى الرجل هذا الحق وهذه الفوقية فهو يحمل على عاتقه المهزوزة شرف نساء مسكنه ، فيستحيل المنزل من مأمن للفتاة إلى سجن يُطْبِق  على أنفاسها ، ويستحل جَسدَها ، ويحل قتلها ، فهفوة واحدة منها قد تقيد حريتها للأبد، أو تنشر بجسدها أنواع الألوان ، وقد تُغتال روحها الطاهرة .
لا يخفى أن النظام الأبوي فاشل لكن لا أفشل منه إلا أسرة يتفق فيها النظام الأبوي والأخوي معًا بدعم من صمت الأم على الفتاة فقط لكونها فتاة ، ولا أفشل من مجتمع صغير أو كبير يتم فيه مُحاسبتك على أخطائك من عدمها وفقًا لنوع جنسك . والتمييز الجنسوي أفة من الآفاتِ عبر الأزمان ، لأنه عندما تُعامل المرأة على أنها الأقل قدرّا والأضعف بُنية ، وأن للرجل الأفضلية في جُل الأشياء  سَيُسْهل افتراسها حتى من الغريب، وسيبرر الغريب سهولة الوصول إليها بأوهن الأسباب .
ومن يجد شرفه بين أقدام النساء وبكل ما يخصهن هو فاقد لشرفه ، فيبحث عنه في كل النساء إلا في نفسه، وهذه حال نصف رجال العرب .
لم يأتي سبحانه  بنص صريح يذكر فيه ضرورة زهق روح من يُظن أو يُعرف بانحرافها ، الزانية وهي زانية لا تُقتل ، والقاتل الأن يتعذر بأن الدم يغسل العار الذي جلبته أخته لأنها تواصلت مع فلان ، أو شاركت صورها عبر (أنستقرام) ،أو لأنها رفضت الإذعان لأيِ أمرٍ كان ، وإذا حدث وأقبلت الفتاة على ما هو جلل ، فَسَيلُ دَمِها هو ما يَخلُق الفضيحة لا فعلتها.
وليعلم متعمدي القتل مصيرهم ، حيث قال تعالى في سورة النساء : ( ومن يقتل مؤمنًا مُتعمِّدًا فجزاؤُه جهنم خالدًا فيها وغضِبَ الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا ).  القتل بداعي الشرف وغسل العار ظُلم وجُرم سيُعاقب عليه الفاعل يوم الحساب عظيم العقاب ، ومن الواجب تطبيق شرع الله وأن ويتم اقتصاص حق النفس المقتولة بغير حق من المفتعل بالقصاص ، وأن ينال المعتدي بالضرب مثلما نالت المعتدى عليها (فالعين بالعين و السن بالسن) ، أي أن يُكتب على المعتدي بالضرب ، والمُقبل على القتل العمد الذل بالدنيا والآخرة .
أدرك أنه مهما تعددت الوسائل المتطرقة لهذا الموضوع فإن التعرض للنساء جريمة أبدية ، فلن تتوقف أرواحهن الطاهرة المفارقة ، ولن تتوقف أجسادهن عن الزُرقةِ والاحمرار ، حتى وإن كانت القوانين صارمة شديدة ، طالما أُخِذ على مفهوم الشرف الموضع والدلالة الحالية التي تمكث أدمغة من لا شرف ودين لهم .
قاتل الشرف كالداعشي في الأيديولوجيا التي يتبناها ، فكلاهما يحملان نفس النظام الفكري والعاطفي الذي يتجلى في ممارساتهم المضادة و العنيفة تجاه أي مخالفة صغيرة يتصور بها كل منهما أنه بإجراءاته المضادة يحمي ما يدافع عنه .
وكما اعتدنا في الماضي رفع شعار الإرهاب لادين له ، فأوضاع الحاضر تستوجب رفع شعار لا دين لجرائم الشرف .

زر الذهاب إلى الأعلى