جلست في حديقة منزلها المطلة على الطريق كعادتها ،تتأمل وجوه الراجلين من مقبلٍ ومدبرٍ لعل وعسى أن تجد ظالتها المنشودة ، وأمنياتها المرتقبة ولكم طال الانتظار والتمحص ، لكنها تعلم أن الحياة متقلبة متغيرة ، يرحل شخص ويولد أخر.
أما ذلك الهامس فما زال يكتنفها بسكون ، ودك استحوذ قلبي بديمومة لا تنتهي ، عشقك انصهار للروح ، معك ارتشف اكسير الحياة وأسعد ، معًا نعتلي قمم الصعوبات ونروضها ، دنّوك مني بلسم شافي لجراح مشاعري ،مسح للأحزان التي أدمت مضجعي ، في عينيلك سعادة تظلني كبحر عطاءه لا ينضب ، راودتها هذه الهمسات المليئة بالتحنان حتى أيقظت هاجسها الدفين ، آه كم صادفت فيما مضى من حياتي الكثير لكنهم رحلوا ولم يقيموا لأن جميعهم نقيض ومتباين لي .
لذلك أرتأت على نفسها أن تخوض غمار التقصي عمن يوائم روحها حتى تميط اللثام المسبل عن حياتها .
استعدت للمضي في ليلة دامسة الظلمة غطت أجنحتها السوداء الأفق غير عابئة بالوقت ، فقد سيطر على مخيلتها ووجدانها حلمها الذي عانق ضوء القمر ، والذي قد يتبادر للأذهان أنه حلم ظل هداه وزخرَ بالعثرات .
سارت حتى وصلت إلى كوخٍ صغير ، طرقت بابه ثم استأذنت بالدخول كانت صاحبته امرأة كبيرة بالسن تحدثت إليها فأنست بمرأها ثم أردفت عجبًا لك تفادي بنفسك في هذا الليل الحالك وتسيري على غير هدى دون معرفة لأي مسلك تسلكين ،أطرقت رأسها وقالت لا خلاص لي من هذا فهو هاتف معه ارتقب أفق السعادة وأمالها، صوته يلامس أوتار وجداني نغمًا ، يقاسم ضجري حينًا وفرحي حينا أخر ، تبحر أحلامي معه وبه في سماء الأمل وتألق الفؤاد ، صورته تترأى من خلف أستار السحب فيتبين بعضًا من ملامحه المجهولة ، ماكان كامناً في وجداني يضئ قبسه عند إطلالته ،وهذا أقلق مضجعي ، ألم أوصالي ، اشتعل كالبركان في جوفي ، حنين واشتياق لأشباهي وندّ لمشاعر لا زخرفة فيها ولا شطط .
أطرقت العجوز صمتًا:
آيتها السارحة في دروب الخيال عليك مغالبة ذاتك وترويضها وتثنيتها عن المضي في ضروب الأحلام الواهية .
ابتسمت لقولها : طيبي نفسًا يا سيدتي فلقد طويت رداء أيامي انتظارًا وأنا كلي يقين أنه سوف تهب نفحة من نفحات الأمل القادم والسعادة الغامرة والأماني المشرقة .
تهللت المرأة وقالت : أتمنى أن يتحقق مبتغاك ومطلبك وألا تعودي خالية الوفاض ، شكرتها ثم ودعتها على محبة ومودة .
اكملت مسيرتها في هذه الظلمة الحالكة حتى أرهقها التعب فاستندت إلى شجرة كبيرة وارفة لتستريح من عنائها ، وما هي إلا لحظات حتى بزغت الشمس بنورها المتلألئ الذهبي فلامس وجهها حاولت أن تتحاشى الضوء وأدارت رأسها ثم حملقت قليلًا فإذ هي في حجرتها وفي مخدعها . أغمضت عينيها قليلًا ثم تنفست زفراتٍ لاهبة ثم قالت : لقد كان حلمًا أيتها الحالمة بالأحلام الوردية ألا أنني ما زلت على يقين أن أنصهار الأرواح حقيقة لا مناص عنها وهي كامنة في الأفئدة المتألفة لذا فدهري الصبور سيحلق بي ويحملني إلى وجهتي المنتظرة لألتقي و أبصر صفي الوجدان وتؤامه .