المشهد الأخير من كأس العرب في ملعب لوسيل المونديالي يرسمه “النشامى” أو “أسود الأطلس” في مباراة ستكون مغلقة وتشهد صراعا تكتيكيا وبدنيا من العيار الثقيل.
نحو 90 ألف متفرج على موعد مع مباراة يتقابل فيها منتخبان بطموحات متكافئة لحصد لقب البطولة، وبأحقية كبيرة سواء لمنتخب الأردن أقوى منتخبات البطولة، والذي تغلب على أسماء كبرى في الطريق إلى النهائي مثل مصر والعراق والسعودية، أو المنتخب المغربي أحد أبرز المرشحين للتتويج باللقب منذ اليوم الأول، والذي يمثل استمرارا لحالة تفوق الكرة المغربية في كل المحافل خلال السنوات الأخيرة، خاصة في 2025.
وبنفس الانضباط التكتيكي والشراسة الدفاعية والاعتماد على الهجمات المرتدة وإغلاق المنطقة بنجاح فاز المنتخب المغربي على نظيره الإماراتي بنتيجة 3-0، وتغلب الأردن على السعودية 1-0 في الدور نصف النهائي.
وبعيدا عن كل النواحي الفنية والكروية سيكون هناك تنافس مغربي له طابع خاص وعاطفي بين مدربين صديقين هما مدرب المغرب طارق السكتيوي ومواطنه المدير الفني للأردن جمال السلامي، فالسكتيوي يسعى إلى الإبقاء على اللقب العربي أفريقيا بعدما حصل عليه منتخب الجزائر في نسخة 2021، أما السلامي فيتطلع لاستكمال الرحلة المثيرة وحصد أول لقب عربي.
السلامي -الذي عمل سابقا مع منتخب المغرب مدربا في الطاقم الفني للفرنسي هيرفي رينار عام 2018- تفوق على أستاذه في المباراة الماضية عندما هزم المنتخب السعودي، ووضع رينار فوق صفيح ساخن من الإعلام السعودي بسبب الانتقادات التي طالته إثر هذا الإخفاق، ويأمل هذه المرة أن يتفوق على مواطنه وصديقه منتخب بلاده أيضا ليكمل مشوارا مميزا مع الأردن.
ولم يبد منتخب الأردن أي تأثر بغياب نجمه الأبرز يزن النعيمات الذي أجرى جراحة ناجحة اليوم بعد تعرضه لقطع في الرباط الصليبي أمام العراق بربع النهائي، بل شكلت هذه الإصابة حافزا للاعبين لكي يلعبوا “للأردن وليزن”، بحسب تصريحات عدد من لاعبي “النشامى”.
ونجح نجوم المنتخب في تعويض عدم وجوده أمام السعودية، مع تألق لافت للاعبين آخرين مثل علي علوان ومحمود مرضي وأحمد العرسان.
ومن المرجح أن يواصل السلامي النهج الواقعي الذي اعتمده ضد العراق والسعودية، والأسلوب الدفاعي والانضباط التكتيكي ثم شن هجمات مرتدة، خاصة بعدما حصد ثمار ذلك بانتصارين دون أن تستقبل شباكه أهدافا.
ومن المتوقع أيضا اعتماده على خطة 3-5-2 مع تكثيف وجوده في خط الوسط للفوز بهذه المعركة والاعتماد على ظهيرين سريعين لمحاولة فك شفرة دفاع “أخي وصديقي” السكتيوي، بحسب وصف السلامي.
ورغم الأسلوب الدفاعي الذي لعب به السلامي في مواجهتي ربع ونصف النهائي فإن الأردن هو الأقوى هجوميا في البطولة بـ10 أهداف، كما لديه هداف البطولة وهو علي علوان الذي سجل 4 من أصل أهداف فريقه.
وعلى السلامي أن يكون حذرا لأنه يواجه أقوى دفاع في البطولة وأفضل حارس فيها، فدفاع منتخب المغرب لم يتلق سوى هدف واحد، أما حارسه مهدي بنعبيد فحافظ على نظافة شباكه في كل المباريات التي خاضها.
وعلى الضفة الأخرى، فإن السكتيوي قدّم لنا نموذجا جديدا من المدربين، إذ دائما ما يتحدث “بتواضع” عن نفسه، ويقول إنه “مخلص لعمله، ولهذا السبب الله وفقني”، ويشكر اللاعبين ويعطيهم الفضل في أي انتصار لأنهم “رجال وعلى قلب واحد وأصحاب أخلاق ومبادئ”.
وأطلق أحد اللاعبين على السكتيوي لقب “المدرب الذي يلمس أي شيء بالكرة يتحول إلى ذهب”، خاصة أنه فاز مع منتخب المغرب للمحليين بكأس أفريقيا (شان) وبرونزية أولمبياد باريس، كما تأهل إلى نهائي كأس العرب وبات قاب قوسين من اللقب.
وعندما سئل عن أسباب نجاحه قال السكتيوي إنها تتلخص بكلمة واحدة وهي “الاحترام، الاحترام لنفسي وللاعبين لأنني كنت لاعبا، أعامل اللاعبين بطريقة خاصة وحب صادق لأنني أشعر معهم بصعوبة ما يواجهونه في مسيرتهم، إضافة إلى الاحترافية، والأهم رضا رب العالمين بعد رضا الوالدين”.
وكل ما سبق ساهم في تقديم منتخب “أسود الأطلس” بطولة استثنائية في المونديال العربي، وحتى عندما واجه منتخبا قويا ولدى لاعبيه جودة فردية وفنية عالية كان واقعيا، وبعد أن كان قد تقدم بهدف ضد الإمارات في الشوط الأول تراجع إلى الخلف ولعب بخطة دفاعية محكمة وأغلق منطقته واعتمد على المرتدات التي مكنته من تسجيل الهدفين الثاني والثالث.
ويستحضر السكتيوي ذكريات لقب عربي وحيد للمغرب في 2012 عندما تفوق على ليبيا في النهائي، كما أن تفوق المنتخبات المغربية في المراحل السنية والمنتخب الأول في كافة المسابقات مؤخرا يرفع سقف الطموح للفوز بالبطولة.
ويعول مدرب المغرب على النجاعة الهجومية والتنظيم الدفاعي اللذين ظهرا جليا في مباراة الإمارات، وعلى عناصر تمنحه التفوق دائما مثل المهاجم كريم البركاوي وأسامة طنان وأمين زحزوح، كما يتميز المنتخب بإسهامات هجومية كبيرة من كل اللاعبين وليس الخط الأمامي فقط، حيث يظهر المدافع محمد بولكسوت في الدور الهجومي دائما، علاوة على سفيان بوفتيني المميز في الكرات الثابتة.
وفي الخلاصة، نهائي عربي ناري بين ممثل عن أفريقيا وآخر من آسيا سيكون مغلقا ولن تكون فيه أهداف كثيرة، وقد يذهب إلى أشوط إضافية وركلات ترجيح بسبب المنازلة التكتيكية والصراع الدفاع بين خطتي 3-5-2 (السلامي) و4-3-2-1 (السكتيوي)، ويلعب التحضير النفسي دورا مهما في حسم مباراة يشاهدها عشرات الملايين حول العالم.
