مقال بقلم الكاتبة أ. هدى المطيري بعنوان (( وماذا بعد هاكاثون طويق؟ ))

بعد أكثر من ثلاثين ساعة من العمل المتواصل، لم تكن مشاركتي في هاكاثون أبشر طويق مجرد تجربة تقنية عابرة، بل كانت رحلة متكاملة مليئة بالتعلم، والتحدي، والطموح. ساعات طويلة من التفكير، والنقاش، والتجربة، انتهت بإدراك عميق أن الهاكاثونات ليست سباقًا نحو الجوائز فقط، بل منصات حقيقية لصناعة العقول والخبرات.

يُعد هاكاثون أبشر طويق واحدًا من أكبر الهاكاثونات في العالم، وقد جاء ضمن فعاليات مؤتمر أبشر 2025، بمشاركة أكثر من 1856 فريقًا وأكثر من 5000 مشاركة، في مشهد يعكس حجم الشغف والطموح الذي تحمله العقول السعودية. وكان أكثر ما أثار الفخر هو كونه هاكاثونًا سعوديًا 100%، حيث حضرت خريطة المملكة بكل تفاصيلها؛ من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، اجتمع الجميع تحت سقف واحد يجمعهم حب التقنية والسعي لإيجاد الحلول.

كان المشهد إنسانيًا وملهمًا؛ آباء وأمهات، إخوة وأخوات، أصدقاء وزملاء، يعملون جنبًا إلى جنب، لا تميّز بينهم إلا بالأفكار، ولا منافسة إلا بالإبداع. هذا التنوع والتكامل هو ما صنع بيئة حقيقية للابتكار، وأثبت أن الاختلاف مصدر قوة حين يقترن بالشغف والهدف.

خلال الهاكاثون، شاركنا بمشروع EduID، الذي يهدف إلى بناء هوية رقمية تعليمية آمنة وموثوقة، تنطلق من مبدأ الخصوصية أولًا (Privacy-First)، وتعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي و Vector Embeddings، مع تجربة استخدام سلسة (Seamless Flow) ورؤية استباقية (Proactive AI)، تسعى إلى تحسين تجربة المستخدم وتسهيل الوصول إلى الخدمات التعليمية، وربط التقنية بالاحتياج الحقيقي.

تبادلنا الخبرات، وتعلّمنا من الفرق الأخرى، واكتشفنا أن روح الفريق والتعاون هي الأساس الحقيقي لأي ابتكار ناجح. ففي مثل هذه البيئات، لا تُبنى الأفكار فرديًا، بل تنضج بالحوار، وتتطور بالعمل الجماعي، وتكبر حين تتشارك العقول الرؤية نفسها.

ورغم أن الفوز لم يكن من نصيبنا، إلا أن مفهوم الفوز في هاكاثون طويق كان أوسع من منصة التتويج. الجميع كان فائزًا:
فائزًا بالمعرفة،
فائزًا بالتجربة،
وفائزًا بالانتماء لوطن يؤمن بعقول أبنائه وبناته، ويدعم طموحاتهم نحو المستقبل.

وماذا بعد هاكاثون طويق؟

ما بعد هاكاثون طويق ليس نهاية، بل بداية جديدة. بداية لتطوير الأفكار، وتحويل النماذج الأولية إلى مشاريع واقعية، وبناء مهارات أعمق، وتوسيع دائرة الطموح. هذه التجربة كانت وستبقى دافعًا قويًا للاستمرار، ومثالًا حيًا على أن التقنية حين تقترن بالشغف يمكنها أن تصنع فرقًا حقيقيًا.

وفي ختام هذه التجربة الملهمة، نتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى وزارة الداخلية على التنظيم الاحترافي والرؤية الواضحة التي أسهمت في إنجاح هاكاثون أبشر طويق بهذا المستوى العالمي، حيث كان لكل تفصيل أثره في توفير بيئة محفزة للإبداع والعمل المتواصل.
كما نثمّن الدور الكبير الذي قامت به أكاديمية طويق، التي أثبتت أنها حاضنة حقيقية للمواهب الوطنية، ومنصة تصنع الفرق من خلال تمكين العقول السعودية، وتقديم الدعم والتوجيه، وبناء منظومة تقنية تواكب تطلعات المستقبل وتنسجم مع رؤية المملكة 2030.

مثل هذه المبادرات لا تكتفي بصناعة الحلول التقنية، بل تصنع الإنسان القادر على الابتكار، وتزرع الثقة في جيل يؤمن بأن أفكاره تستحق أن تُرى وتُنفّذ. هاكاثون طويق لم يكن مجرد حدث، بل رسالة واضحة بأن المستقبل يُبنى اليوم… وبسواعد سعودية .

زر الذهاب إلى الأعلى