الرياض _ روزان المطيري
يُطرح أحيانًا سؤال شائك: هل يمكن أن تكون النساء، أحيانًا، شريكات – دون وعي – في صناعة الطغيان؟ قبل إصدار أي حكم، لا بد من التوقف عند التفاصيل الصغيرة التي تكشف طريقة التفكير، لا عند الحدث وحده.
حين يتحوّل الزواج من علاقة إنسانية طبيعية إلى مقياس تُقاس به قيمة المرأة، يبدأ الطغيان في الظهور بشكل خفي. طغيان لا يُمارَس بالقوة الجسدية، بل بالكلمة، وبالوصم، وبالتصنيف. فيتحوّل الرجل إلى معيار للقيمة، وتُختزل المرأة إلى مجرد غنيمة.
في الأيام الماضية، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع لسيدة في أحد المتاجر، تتهم امرأة أخرى بأنها تنظر إلى زوجها بدافع الغيرة، وكأن مجرد وجود امرأة أخرى في المكان يشكّل تهديدًا مباشرًا لما “تملكه”. كان المشهد مشحونًا بانفعال واضح، يعكس خوفًا عميقًا من فقدان الامتلاك، ومن زعزعة فكرة أن الزوج هو المكسب الأكبر.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد سجّلت السيدة مقطعًا صوتيًا انتشر على نطاق واسع، نعتت فيه المرأة الأخرى بأنها “عديمة الزوج”، وكأن غياب الرجل عن حياة امرأة ما يُنقص من قيمتها، أو يسلبها صفة الاكتمال الإنساني.
وهنا يبرز السؤال الحقيقي: ماذا كان يدور في رأسها حين قالت ذلك؟ هل كانت ترى الزوج شيئًا استثنائيًا، نادرًا، يكاد يكون معجزة؟ أم كانت ترى امتلاكه إنجازًا وجوديًا يمنح التفوق على الأخريات؟
وإن كانت المرأة “عديمة الزوج” موضع شفقة أو ازدراء في هذا التصور، فماذا نقول عن المطلقة؟ عن الأرملة؟ وعن المرأة التي اختارت أن تكون وحدها؟ هل يُقاس قدر النساء بوجود رجل فقط؟
الزواج، في جوهره، علاقة إنسانية طبيعية، تمارسها معظم الكائنات الحية. الحيوانات تتزاوج، والطيور تبني أعشاشها، والإنسان ليس استثناءً كونيًا. فلماذا تحوّل الزواج في بعض العقول إلى غنيمة؟ ولماذا رُفع من كونه تجربة حياتية إلى مقياس قيمة ونجاح؟
ومن نعم الله علينا في المملكة العربية السعودية، في هذا العصر، عصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، أن المرأة أصبحت تُعامل كمواطنة كاملة الأهلية. فالمرأة المطلقة، والعزباء، والأرملة، قادرات اليوم على استئجار مسكن خاص بهن، والعمل، والسفر، وإدارة شؤون حياتهن ببطاقة الهوية فقط، دون الحاجة إلى وصاية رجل. هذا التحول ليس امتيازًا، بل تصحيح لمسار طويل، يثبت أن قيمة المرأة لا تُستمد من وجود رجل في حياتها، بل من كونها إنسانة كاملة الحقوق.
ومع ذلك، يبقى التحدي أحيانًا من داخل المجتمع نفسه. حين تتحول المرأة – بدافع الجهل أو الأنانية أو ضيق الأفق – إلى أداة لإقصاء امرأة أخرى، مستخدمة الزواج كسلاح لغوي للإهانة، فإننا نعيد إنتاج فكر إقصائي قد يتحول مع الوقت إلى طغيان ناعم… طغيان يبدأ بالكلمة، ويترسخ بالتصنيف، وينتهي بالسيطرة.
من وجهة نظري، الغنيمة الحقيقية للمرأة ليست الرجل. ليست قصة الحب التي تغنّى بها الشعراء، ولا الأساطير التي ضخّمت صورة العاشق والمعشوق. كبرتُ وتغيرت رؤيتي، وحين أنجبت طفلي الأول، انكشفت لي الحقيقة كاملة.
حين التقت عيناي بعيني طفلي، أدركت معنى الحب الحقيقي. حب لم يُكتب عنه شعر، ولم تُنصفه الأغاني. حب الأم لطفلها ليس كحب الحبيب لحبيبته، ولا العاشق لمعشوقه. إنه حب جارف، غريزي، مهوس، يعيد ترتيب الروح من الداخل. الأبناء هم غنيمة النساء الكبرى، هم المكسب الحقيقي، هم أساس الحياة وعمودها.
وعندما تُدرك المرأة ذلك بوعي، تتحرر من وهم الامتلاك، ومن خوف المقارنة، ومن عقدة التفوق على الأخريات. الوعي لا يُلغي الحب، لكنه يعيده إلى حجمه الطبيعي، ويحرر المرأة من وهم أن غنيمتها في الحياة… إنسان آخر.
وأخيرًا، أعز الله من أعزني. الحمد لله على نعمة كوني امرأة سعودية، فهذا ما يجعلني أشعر بالفخر والاعتزاز. حقوقي كاملة متكاملة، أتمتع بامتيازات لو كنت في أي بقعة جغرافية أخرى لما حصلت عليها، وهذا ما يثبت أن قيمة المرأة ليست في وجود رجل، بل في إنسانيتها ووعيها بحقوقها.
