مقال لعضو صحيفه الساحات العربيه بمنطقه حائل – الإعلامي / عيد العلي بعنوان (( اليوم العالمي للتسامح 16 نوفمبر 2025 م ))

التسامح قيمة إنسانية عظيمة تقوم عليها علاقة البشر بعضهم ببعض.. وهو روح تُنعش القلوب وتُطفئ نار الخلافات.. حين يختار الإنسان أن يسامح فهو لا يرفع عن الآخر عبئًا فقط بل يحرر نفسه أولًا من ثقل الضغائن.. فالقلب الذي يعرف التسامح يعيش متزنًا قويًا لا تهزّه المواقف ولا تكسره الأخطاء

التسامح ليس ضعفًا كما يظن البعض.. بل هو قوة داخلية يصعب الوصول إليها إلا لمن امتلك وعيًا عميقًا وإيمانًا صادقًا بأن الناس يخطئون وأن الكمال ليس حكرًا على أحد.. ومع كل خطأ يوجد دائمًا مساحة جديدة للبداية.. ومساحة للمصالحة مع الذات قبل الآخرين.. فالتسامح يبني جسورًا بين القلوب ويحوّل التباعد إلى تقارب.. والخصومة إلى احترام متبادل

في كل مجتمع يحتاج الناس إلى التسامح كي تستقر حياتهم.. لأن غياب هذه القيمة يجعل العلاقات هشة ويزيد من حدة الصراعات.. ومع انتشار الضغوط والمشاغل يزداد احتمال حدوث سوء الفهم بين الناس.. وهنا تظهر أهمية التسامح كضوء يخفف من ظلمة الخلاف.. ويسمح بأن يعود الصفاء دون تعقيد.. فالمسامِح يعرف أن الاحتفاظ بالغضب لا يجلب إلا تعبًا أكبر

التسامح ليس مجرد كلمة تقال.. بل هو سلوك.. وقرار يومي.. وتربية داخلية تستمر مع الإنسان طوال حياته.. يبدأ التسامح من داخل النفس حين يقرر الإنسان أن يتجاوز ألمًا أصابه أو موقفًا أزعجه.. ثم تمتد هذه الروح إلى الآخرين فتجعل التعامل معهم أكثر مرونة.. وأكثر رحمة.. وأكثر نضجًا

والتسامح ينعكس على الصحة النفسية بشكل واضح.. فالنفس التي تتخلى عن الحقد تشعر بخفة.. ويصبح العقل أكثر قدرة على التفكير السليم.. والروح أكثر قدرة على الاستمتاع بالحياة.. بينما الغضب المستمر يجعل الإنسان يعيش داخل دائرة مغلقة من التوتر والقلق.. فيخسر راحته دون أن يشعر

وفي حياتنا اليومية تظهر فرص كثيرة لممارسة التسامح.. مع الأسرة.. مع الأصدقاء.. في العمل.. بل حتى مع الغرباء الذين قد يمرون في حياتنا مرورًا عابرًا.. والتسامح هنا لا يعني قبول الظلم أو التنازل عن الحقوق.. بل يعني التعامل بوعي.. وإدراك أن رد الإساءة بالإساءة يزيد النار اشتعالًا.. بينما الصفح يغيّر شكل الموقف.. ويرفع من شأن صاحبه

وفي النهاية يبقى التسامح مدرسة كبيرة تعلم الإنسان معنى الإنسانية.. ومعنى السمو الداخلي.. ومعنى أن يعيش بقلب نقي لا يحمل إلا الخير.. فكلما كان الإنسان أكثر تسامحًا كان أقرب إلى السلام الداخلي.. وأقرب إلى أن يكون مصدر راحة لمن حوله.. ومن يزرع التسامح سيحصد احترامًا ومحبة وطمأنينة لا تُقدّر بثمن ..

زر الذهاب إلى الأعلى