تُعد المدرسة منارة المجتمع وركنًا أساسيًا في بناء وعي الأجيال وتشكيل مستقبل الوطن. هي المكان الذي تُغرس فيه القيم، وتُصقل فيه العقول، وتُزرع فيه بذور الطموح والانتماء. ومع ذلك، يلاحظ أحيانًا أن بعض أفراد المجتمع يتعاملون مع المدرسة بسطحية، وكأنها فضاء مفتوح يمكن دخوله أو الحديث عنه بلا ضوابط أو تقدير لهيبتها. إن هذه النظرة لا تُسيء إلى المدرسة فحسب، بل تُضعف من قيمة التعليم نفسه، وتكشف عن حاجة إلى إعادة ترسيخ مفهوم احترام المؤسسات التعليمية بوصفها رمزًا للنظام والرقي.
فالمدرسة ليست مكانًا عابرًا في يومنا، بل بيئة تُبنى عليها ملامح المستقبل، وتُصاغ فيها القيم التي تصنع الإنسان الصالح. لذلك، وضعت وزارة التعليم أنظمة واضحة تُنظّم العلاقة بين الأسرة والمدرسة، من أبرزها القرار الذي نصّ على أن «دخول ولي الأمر للمدرسة لا يتم إلا بحجز موعد مسبق عبر منصة مدرستي». هذا الإجراء ليس تقييدًا، بل حفاظ على الانضباط وصونٌ لهيبة المدرسة. فكل نظام يُطبّق بروح المسؤولية يعزز من جودة التعليم، ويخلق بيئة يسودها الاحترام والثقة المتبادلة.
ويظل ولي الأمر شريكًا رئيسيًا في هذه المسيرة، فدوره لا يُختزل في المتابعة الأكاديمية، بل يمتد إلى المشاركة الواعية التي تقوم على التعاون والتفاهم. المدرسة ليست ساحة لإثبات المواقف، بل ميدان للثقة والتكامل بين الأسرة والمربين. وعندما يتعامل ولي الأمر بروح الاحترام والهدوء، فإنه يقدم لأبنائه درسًا عمليًا في الانضباط، ويزرع فيهم الإيمان بأن الاحترام هو جوهر التربية الحقيقية.
أما إدارة المدرسة، فهي حارسة هذا الكيان التربوي، والمسؤولة عن حماية بيئته وضمان سيره بانضباط وعدالة. وجود إدارة قوية وواعية يعني بيئة تعليمية آمنة يشعر فيها الجميع بالثقة والمسؤولية. والإدارة الناجحة لا تُمارس السلطة، بل تبثّ روح التعاون، وتُذكّر الجميع أن النظام ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة لبناء بيئة تعليمية متوازنة يسودها الاحترام والتقدير المتبادل.
والمعلمات هنّ النبض الإنساني للمدرسة، والقدوة التي تتشكل حولها قيم الطالبات وسلوكياتهن. فهنّ لا يعلّمن بالكلمات فقط، بل بالمواقف، بالرحمة، وبالصبر. إن احترام مكانتهن واجب أخلاقي قبل أن يكون نظامًا، فهنّ يحملن رسالة سامية تستحق كل التقدير. يجب أن تُصان صورتهن من أن تُستخدم في أي محتوى رقمي أو تفاعلي يُسيء لهيبتهن أو يُقلّل من دورهن العظيم في بناء الإنسان والمجتمع.
وفي زمنٍ أصبحت فيه المنصات الرقمية جزءًا من حياة الناس، يتعاظم دور المؤثرين في تشكيل وعي المجتمع وتوجيه اهتماماته. التعليم في المملكة العربية السعودية يعيش اليوم مرحلة متقدمة من التطوير والتميز، تعكس رؤية وطنٍ يضع المعرفة في مقدمة أولوياته. ومن هنا تأتي مسؤولية المؤثرين في إظهار التعليم بالصورة الإيجابية التي تليق بمكانته، والتعبير عنه كقيمة وطنية لا كمادة للترند. فإذا حدث تقصير أو خطأ داخل المنظومة التعليمية، فمكانه الطبيعي المعالجة التربوية والنظامية، لا الشاشات والمنصات. فالمؤثر الحقيقي ليس من يثير الجدل أو يطارد المشاهدات، بل من يبني الوعي، ويُسهم في رفع مكانة التعليم، ويجعل من احترام المدرسة احترامًا للوطن ذاته.

