في خضم النقاشات المجتمعية المتكررة ضد حقوق المعلم، من رواتب وإجازات وظروف عمل، تبرز ظاهرة مؤسفة تستحق التوقف والتحليل _ وبدون تعميم _ ألا وهي تحريض المجتمع وبعض موظفي الدولة ضد المعلم ، والتقليل من مكانته، بل ومحاربته في رزقه وكأن مطالبه رفاهية لا تُحتمل.
لقد أصبح من المألوف أن نسمع من يردد أن “المعلم لا يستحق راتباً أعلى”، أو أن “إجازاته طويلة أكثر من اللازم”، أو حتى أن “عمله بسيط ويمكن لأي أحد أن يؤديه”، وكأن هؤلاء قد نسوا أو تناسوا أن كل موظف، وكل طبيب، وكل مهندس، وكل قائد قد نشأ وتعلّم على يد معلم .
فحين تُهدر مكانة المعلم ، يُهدر معها احترام العلم ، وتنخفض قيمة التعليم في الوعي العام. فكيف يمكن لمجتمع أن ينهض وهو ينظر بازدراء لمن يزرع فيه بذور المعرفة والقيم والوعي ؟
نعم من السهل أن ننتقد ، لكن من الصعب أن نملأ الفراغ .
فلو غاب المعلم ، فلن تسد مكانه التكنولوجيا، ولا الإدارة، ولا الخطط التعليمية مهما كانت متقدمة ، لأن جوهر العملية التعليمية إنساني أولاً ومبني على التواصل، والإلهام، والقدوة، وهي أبعاد لا تُحاكى بآلة أو تُختصر في جدول زمني.
نحن لا نطلب أن يُعطى المعلم أكثر من حقه، بل نطالب أن يُترك وشأنه ليؤدي رسالته دون تحريض، دون نظرة دونية، دون تشكيك في إخلاصه. المعلم حين يُنصف، ينهض التعليم، وينهض الوطن .
فلنتوقف عن محاربة من يصنع العقول ، ولنمنحه ما يستحق من احترام ومكانة ودعم، فهو ليس موظفًا عاديا… بل هو الأساس الذي لا يُبنى مستقبل بدونه ولا يمكن لأي أحد أن يسد مكانه .
وكما قال الشاعر الحطيئة :
أَقِلّوا عَلَيهِم لا أَبا لِأَبيكُمُ مِنَ اللَومِ ، أَو سُدّوا المَكانَ الَّذي سَدّوا
أولَئِكَ قَومٌ إِن بَنَوا أَحسَنوا البُنى وَإِن عاهَدوا أَوفَوا وَإِن عَقَدوا شَدّوا
……..
