عزة الشهري- الرياض
برعاية وحضور صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، نظّم مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية يوم أمس
ضمن البرامج الثقافي للمركز، وبالتعاون مع جائزة الملك فيصل، محاضرة بعنوان «جائزة الملك فيصل: سيرة لم تُرْوَ»، قدّمها الدكتور عبدالعزيز السبيل الأمين العام للجائزة، واستعرض فيها أبرز المحطات في مسيرتها، والدور الريادي لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في تأسيسها ورعايتها، إلى جانب الإشارة إلى حضور المرأة فيها، وتطور فروعها العلمية ومشروعاتها العالمية، وما شهدته من توسّع في دوائرها المحلية والدولية خلال أكثر من أربعة عقود.
أوضح المحاضر أن الأمير خالد الفيصل يُعدّ القلب النابض لجائزة الملك فيصل، مؤكدًا أن سموه واكبها منذ نشأتها وتابع كل تفاصيلها التنظيمية والفنية، إذ يحرص قبل كل حفل على زيارة موقع الاحتفال للتأكد من جاهزية كل التفاصيل، ويلقي بنفسه الكلمة السنوية في حفل التكريم.
وقد بلغ عدد كلماته (43 كلمة في 43 حفلًا) جُمعت مؤخرًا في كتاب بعنوان «سجل الكلمات» يوثّق مسيرته الخطابية في الجائزة. وذكر المحاضر أن سموه بدأ في السنوات الأخيرة يميل إلى الإيجاز المكثّف في كلماته التي قد لا تتجاوز الخمسين كلمة في بعض الأحيان، لكنها تعبّر بعمق عن روح الجائزة ومقاصدها، مبينًا أن هذا النهج في التعبير المختصر يوازي دقّة الجائزة في اختيار موضوعاتها ولجانها.
واستعرض الدكتور السبيل مواقف تعبّر عن شخصية الأمير خالد الفيصل في تعامله مع الجائزة، من أبرزها موقفه عام 2017 حين أعلن فوز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، مؤكدًا أن ذلك العام شكّل لحظة استثنائية في تاريخ الجائزة. كما أشار إلى موقف آخر لسموه عام 2018 حين رفض قبل يوم واحد من حفل الجائزة عرض فيلم أُعدّ عن الجائزة لأنه كان يظهر فيه وحده دون فائزين. وقامت الجائزة بإنتاج فيلم جديد تم فيه ظهور عدد من الفائزين الموجودين في الرياض. وحين عرض على سموه قبل الحفل حاز على رضاه.
وأوضح المحاضر أن مثل هذه المواقف تجسد حرص الأمير خالد الفيصل على إبراز الجانب الجماعي والعلمي في الجائزة، وهو ما يعكس نهجه في كل ما يرتبط باسم الملك فيصل رحمه الله، وإرثه الفكري والإنساني.
وقد أشاد المحاضر بجهود الدكتور أحمد الضبيب الذي وضع الأسس التنظيمية للجائزة لكونه أول أمين عام لها. وبيّن الدكتور السبيل أن الجائزة تتميز بتركيزها على التخصصات الدقيقة داخل أفرعها الخمسة، إذ تتغيّر الموضوعات سنويًا في كل فرع من أفرع الجائزة لتواكب تطورات البحث العلمي.
ومنذ نشأتها عام 1977م، وبدء منحها لأول مرة عام 1979م، حرصت الجائزة على الالتزام بمعايير علمية صارمة، لا تُقبل فيها الترشيحات الفردية، بل تُقدّم من جامعات وهيئات ومراكز علمية مرموقة، وتُناقَش من لجان تحكيم دولية متخصصة تضم نخبة من العلماء من مختلف التخصصات والثقافات والأديان.
وقد منحت الجائزة لعدد من المستشرقين والمستعربين الغربيين تقديرًا لإسهامهم في خدمة العربية والثقافة الإسلامية، وهو ما يؤكد البعد الإنساني الذي يتجاوز الانتماء الجغرافي أو الديني. فالغاية من الجائزة – كما يقول الأمير خالد الفيصل – هي الاحتفاء بالعلم والعطاء لا بالهُوية.
وحول حذف وصف (العالمية) من اسم الجائزة، أوضح الدكتور السبيل أن طموح الجائزة منذ تأسيسها أن تكون عالمية، ولكن بعد أن أصبحت عالمية بالفعل، لم تعد بحاجة إلى ربط هذا الوصف باسمها، لتصبح (جائزة الملك فيصل) بدلا عن (جائزة الملك فيصل العالمية)، لأن تنوع جنسيات الفائزين، وتوسّع الشراكات العلمية التي حققتها الجائزة في مختلف أنحاء العالم يُعدّ من أبرز مؤشرات العالمية التي تميّز الجائزة. مضيفا أن المستوى الرفيع للترشيحات ونوعية الجهات المتقدمة إليها تمثل مقياسًا حقيقيًا لقيمتها، إذ ترتبط مباشرة بعلماء ومراكز بحثية مرموقة، ما يجعلها جائزة للعلماء الجادين لا للحضور الإعلامي.
وكما أن عددًا من الفائزين بجائزة الملك فيصل قد فازوا لاحقًا بجائزة نوبل، فإن عددًا من الفائزين بجائزة نوبل تقدموا لاحقًا للفوز بجائزة الملك فيصل، وهذا إدراك من هؤلاء العلماء لأهميتها وسمعتها الأكاديمية الرفيعة.
وخلال المحاضرة، عرض الدكتور السبيل عددًا من الإصدارات والمشروعات العلمية التي انبثقت عن الجائزة أو تناولت أعمال فائزين بها، مثل كتاب «الحملات الصليبية: منظور إسلامي» للمؤلفة البريطانية كارول هيلينبراند الفائزة بجائزة الدراسات الإسلامية عام 2005م، وكتاب «رياض الشعراء في قصور الحمراء» للدكتور عبدالعزيز المانع، والدكتور خوسيه ميغيل، إضافة إلى مجلة الفيصل العلمية، ومشروع «مائة كتاب وكتاب» بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس.
وأشار إلى أن الفائزين يقدمون محاضرات علمية في المؤسسات العلمية والأكاديمية في الرياض، وأماكن أخرى في العالم. وذكر إلى أن بداية الأنشطة الثقافية لغير الفائزين كانت من خلال الندوة التي أقيمت عن المسيرة العلمية للدكتور عبدالله العثيمين الأمين العام السابق للجائزة، الذي ساهم في ترسيخ مكانتها الأكاديمية محليًّا وعالميًّا.
كما أشار إلى أن الاحتفال بمرور أربعين عامًا على الجائزة كان محطة مهمة فيما يتعلق بتقييم تجربتها واستشراف مستقبلها، وقد شهد ذلك الاحتفال تأسيس منتدى الجوائز العربية الذي ضمّ أكثر من خمسٍ وثلاثين جائزة من مختلف الدول العربية، ما عزّز التعاون الثقافي بين الجوائز العربية،وفتح المزيد من الآفاق لتبادل الخبرات.
وفي سياق متصل، تطرّق المحاضر إلى حضور المرأة في تاريخ الجائزة، موضحًا أن المعيار الأساس هو المنجز العلمي وليس جنس أو هوية صاحبه. موضحًا أن أولى الفائزات من النساء بالجائزة كانت الدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) عام 1994م عن دراساتها القرآنية، تبعتها باحثات متميّزات في الأدب والعلوم، منهن الدكتورة وداد قاضي، والدكتورة مكارم الغمري والعالمة البريطانية كارول هيلينبراند، والمستعربة سوزان ستيتكيفتش، ثم العالمة المسلمة جاكي يي-رو ينغ التي نالت الجائزة عام 2023م، وهي تعمل حاليًا في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث. وأكد السبيل أن حضور المرأة العلمي المتزايد في الجائزة يترجم قناعة المؤسسة بأن التميّز لا جنس له، وأن المعرفة ميدان مفتوح أمام الجميع.
وتخللت المحاضرة عروض لأفلام وثائقية قصيرة تناولت مسيرة الجائزة، وأبرز فروعها وإنجازاتها، ومقتطفات من كلمات الأمير خالد الفيصل في حفلات التكريم، إلى جانب مشاهد أرشيفية لعدد من العلماء الفائزين في مجالات مختلفة. وأوضح المحاضر أن الجائزة تحرص على إبراز هذا الإرث الثقافي بالصورة الحديثة، عبر توظيف الوسائط المرئية والتوثيق العلمي، وتقديم الفائزين كشهود على مرحلة من تطور البحث العلمي في العالم الإسلامي والعالم أجمع..
وفي ختام حديثه، أكد المحاضر الدكتور عبدالعزيز السبيل أن مرور أكثر من أربعة عقود على الجائزة جعلها تجربة سعودية فريدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وأنها تمضي نحو توسيع دائرة أنشطتها العلمية والثقافية، وتعزيز حضورها على المستويين المحلي والعالمي، من خلال التعاون مع المراكز البحثية ومؤسسات الجوائز الكبرى. وأشار إلى أن بعض الفائزين أُتيحت لهم فرص علمية ومناصب دولية بعد فوزهم بالجائزة، مما يعكس حضورها المتميز عالميا. وبعد المحاضرة طرح الحضور المتميز الكثير من الأسئلة التي أشادت بمسيرة الجائزة، واقترحت التوسع في فروعها مستقبلا.
يُذكر أن جائزة الملك فيصل، هي إحدى مبادرات مؤسسة الملك فيصل الخيرية التي تأسست عام 1976م، وتهدف إلى تكريم الأعمال البارزة في خدمة الإسلام والإنسانية والبحث العلمي، وتُمنح سنويًا منذ عام 1979م تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، واهتمام مباشر من الأمير خالد الفيصل رئيس هيئة الجائزة الذي يحرص على استمرار رسالتها لتكون منبرًا عالميًا للعلم والمعرفة، وجسرًا للتواصل بين الحضارات في إطار منظومة رفيعة من القيم العلمية والإنسانية.