اعتماد المسعري
لم يكن وادي لجب مجرد وجهة سياحية على الخريطة، بل كان مغامرة تنتظر أن تُروى، كتبتها بدقة قبل أن تبدأ ، فالرحلة لم تكن وليدة اللحظة، بل جزء من خطة زمنية واضحة أعددناها مسبقًا، وأعلنا عنها ليتمكن كل من يبحث عن الاكتشاف والمغامرة من حجز مكانه والانضمام إلينا.
الطريق إليه يمر بين جبال شاهقة، كأنها حراس صامتون يحمون هذا السر الأخضر في قلب جازان. كلما اقتربنا، كان الحماس يتسلل إلى قلوب الجميع، وكنت أستعيد إحساس الاكتشاف الأول الذي لا يبهت أبدًا مهما تكرر.
فريقي في هذه الرحلة كان مميزًا، مجموعة من أبناء جازان يعرفون الوادي كما يعرفون ملامح أيديهم، في عيونهم كان مزيج من الفخر والانتماء، وفي خطواتهم ثقة المرشد الذي لا يضل طريقه منذ اللحظة الأولى. لم يكونوا فقط زملاء، بل مضيفين كرماء، يمدون أيديهم لكل سائح نصادفه صدفة، يبتسمون، يرحبون، ثم يشرحون له أين يضع قدمه ليعبر بأمان.
منذ بداية الرحلة، كان المشهد لوحة من التعاون والضيافة: أحدهم يشرح للزوار تفاصيل الطريق، آخر يوزع الماء والوجبات الخفيفة، وثالث يتأكد أن الجميع يسيرون بوتيرة مريحة. وكلما التقينا بسائح أو مجموعة في الوادي، كانوا يرحبون بهم وكأنهم جزء من ضيوفنا، يمدون لهم يد العون، ويقدمون النصائح حول أفضل الطرق لعبور الممرات الصخرية.
حين وصلنا إلى وسط الوادي، ظهرت أمامنا تلك الصخرة الكبيرة، المائلة قليلًا كأنها حاجز طبيعي يفصل بين من يكتفي بالمشاهدة ومن يجرؤ على التحدي. كان المشهد أقرب إلى اختبار غير معلن: من سيعبر هذه المرحلة؟
أحد شباب الفريق صرخ مبتسمًا:
“هنا يبدأ الجزء المخصص للأقوى والأشجع!”
لم يكن يقصد القوة الجسدية فقط، بل الشجاعة على مواجهة ما لم تجربه من قبل. أخذ يعلّم الزوار واحدة تلو الأخرى كيف يثبتون أقدامهم ويستخدمون أيديهم لسحب أجسادهم للأعلى، بينما يمد لهم يده بثقة وأمان.
وقفت لحظة أراقب، وشعرت أن الصخرة ليست عائقًا بل درسًا: أن كل مرحلة جديدة في حياتك تحتاج خطوة جريئة، وأن يد العون التي يقدمها لك الآخرون يمكن أن تغيّر النتيجة بالكامل.
واصلنا السير بعد الصخرة، ومع كل صوت ماء يتدفق، ومع كل صدى ضحكة يتردد بين الجدران الحجرية، كنت أقول في داخلي: “أنا أقدر”… وأدرك أنني لست وحدي، بل معي فريق وروح مكان يفتحان أبواب المغامرة لكل من يجرؤ على العبور.