فاطمة العتيبي
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث، وتتعقّد فيه علاقة الإنسان بذاته وبالعالم من حوله، يبرز سؤال جوهري: من يدرك من؟ أهو القارئ من يفسّر النص؟ أم أن النص يُعيد تشكيل القارئ في صمت؟ من هذا المنطلق وُلدت نظرية “الإدراك الانعكاسي” التي أسّستها المؤلفة السعودية أمل الجبرتي، والتي تسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بين النص والمتلقي من خلال فهمٍ متبادل، لا يُخضع النص لسلطة القارئ، ولا يجعل القارئ متلقياً سلبياً.
تقوم هذه النظرية على إعادة تعريف العلاقة بين القارئ والنص، حيث لا يكون المتلقي سلبياً، بل يصبح مرآة تنعكس فيها الظلال الخفية للخطاب الثقافي والاجتماعي. والنظرية، التي انبثقت من تجربة شخصية عميقة، تُعد نقلة نوعية في سياق النقد العربي، إذ تضع الذات الكاتبة والذات القارئة في فضاء حواري قائم على التأمل والتحليل.
وما يُميز الجبرتي أنها لم تطرح النظرية بوصفها تنظيراً مجرداً، بل دعمتها بتطبيقات دقيقة على نصوص سردية عربية وغربية، كما في تحليل أعمال دوستويفسكي، وأدونيس، و”سقف الكفاية” لمحمد حسن علوان، وصولاً إلى نصّها الروائي الجديد “إعدام غراب”، حيث تكشف من خلاله عن الأنساق المضمرة للسلطة، والهوية، والصدمة، والانفعال. كما تمزج في مقاربتها بين علم النفس، وسيميائية الجسد، وفلسفة اللغة، بأسلوب متفرّد يجمع بين التحليل الفلسفي والكتابة الإبداعية.
“الإدراك الانعكاسي” لا يكتفي بفك الرموز أو تحليل البُنى، بل يتعامل مع الأدب بوصفه مرآةً نفسية وجسدية وعقلية تُظهر كيف يتفاعل الإنسان مع ذاته ومع الآخر من خلال اللغة. هي نظرية عابرة للتخصصات، تستعير أدواتها من علم النفس المعرفي، والفلسفة الظاهراتية، وعلوم الجسد واللغة، لكنها تعيد توجيه هذه الأدوات نحو هدفٍ واحد: فهم الإنسان من خلال النص، وفهم النص من خلال تجربة الإنسان الإدراكية المتغيّرة.
أمل الجبرتي، التي بدأت مسيرتها في النشر والإعلام الثقافي، تُعد اليوم من أبرز الأصوات الساعية إلى تأسيس مشروع فكري عربي يُعيد تعريف الكتابة بوصفها فعلاً إدراكياً يتجاوز المتعة الجمالية إلى الوعي النقدي. ومن خلال مؤسستها “مؤسسة أمل الجبرتي”، تسعى لدعم الأصوات الجديدة التي تلتقط هذا التحول المعرفي، وتؤمن بأن الكلمة لا تُعيد تشكيل الواقع فحسب، بل تُمكّن الإنسان من إدراك حقيقته.
وقد أعلنت الكاتبة مؤخراً عن قرب صدور كتابها الجديد، الذي يتضمن فصولاً نظرية وتطبيقية حول “الإدراك الانعكاسي” وتحولاته، موجّهة خطابها إلى الأكاديميين والكُتّاب والقرّاء الباحثين عن طبقات أعمق في القراءة. كما تستعد لعرض النظرية في مؤتمر أكاديمي قادم، وتخطط لتقديمها عبر سلسلة من المحاضرات واللقاءات الحوارية